وبعد: فاعلموا أن عدو الدين الفرنصيص دمره الله لما استولى على تلمسان ردها الله دار إسلام، ورأى اضطراب أحوال قبائل تلك الناحية وفشلهم عن ملاقاته وفرارهم أمامه، ظن أن كل الناس كذلك، وحسب كل بيضاء شحمة، فسولت له نفسه لعنه الله التشوف إلى قبائل إيالتنا السعيدة وإرهابهم بتهويل أمره ونصب حيله ومكره بدورانه بعسكره المخذول، ومحاكته للحدود ليرهب ضعفة العقول ويرعبهم، فتحرك على عادته وأراد النزول بمحل نزل به قبل توجه جيشنا المنصور لتلك الناحية، فلما قرب منه وجد بعض خيل المخزنية أمامه فنزل على بعد، لعلهم يتزلزلون فثبتوا، وناوشهم خيل المتنصرة القتال فردوهم أعقابهم وولوا إلى العدو منهزمين، فسقط في يده وهرب ليلا، فلما رأى ما لا قبل له به أراد إعمال المكر والحيلة بظهور القوة الإسلامية، والاستظهار بالعدة والعدد، ليرى ما يسوءه ويزداد غيظا وهوَانًا، ويعلم أن الإسلام والحمد لله بأنصاره، وأن أمة النبى عليه الصلاة والسلام راغبة في جهاده ساعية في دماره.
فبوصول كتابنا هذا إليكم أظهروا أخذ الأهبة والاستعداد بتركيب آلات الحرب في محالها على كراريطها وعجلاتها في صقائل العدوتين، وأنزلوا حول كل مدفع ومهراس عددا من آلاف حربه من الكور والبنب وغير ذلك، وأظهروا الحزم بتفقد العدة ومسحها وتشميسها وتسراد الرجال أهل العدة، وتعمير الصقائل والأبراج بأهلها، ليصل العدو ذلك، فإنه لا يغيب عنه شئ، لأن له عيونا يطالعونه بذلك، ويبلغ الشاهد الغائب، وفى ذلك من توفر أَجْر نيّة الجهاد، ونيل رضوان الله ما يتبادر إليه المؤمنون ويتسابق إليه الموقنون، فإن في ذلك إغاظة الكفار، وإرغام الشيطان وأشياعه، وكل ما فيه إرغام الشيطان فيه رضا الرحمن.
والقصد بذلك إظهار عزة الإسلام، وإلا فالعدو قصمه الله في هوان وصغار، وذلة واحتقار، فالمراسى معمورة والحمد لله بحاميتها، والثغور مشحونة