وكذلك الحال في فرنسا، وعانى اليهود العزل والقتل والتمييز لأسباب متعددة من بينها: عوامل دينية كمسألة صلب أو قتل المسيح، وعوامل اقتصادية مرتبطة بالوظيفة الربوية للجماعات اليهودية.

وبانتهاء العصور الوسطى وقبل مطلع القرن السادس عشر شهد التاريخ أحداثًا فاصلة مثل: فتح القسطنطينية واختراع الطباعة وسقوط الحكم العربي الإسلامي في الأندلس، واكتشاف أمريكا وغيرها، وكانت أوربا حتى ذلك الوقت تدين بالكاثوليكية، لكن بحلول القرن السادس عشر بدأ الكثيرون يضيقون بسلطة البابا، وظهر "مارتن لوثر" متحديًا دور هذه الكنيسة؛ لاحتكارها تفسير الكتب الدينية المسيحية ولمسائل بيع صكوك الغفران للناس، وانتشرت دعوة "مارتن لوثر" وكثر أتباعه في أجزاء كثيرة من أوربا، وصار من حق كل مسيحي قادر أن يقرأ التوراة والأناجيل وأن يفسرها، وترجمت للغات مختلفة بعد أن كانت حكرا على اللاتينية والإغريقية.

وما يهمنا في هذه الحركة الكنسية الجديدة أنها اهتمت بالعهد القديم، الذي صار المرجع الأعلى للسلوك والاعتقاد، وفتحت الباب أمام تفسيرات وتأويلات وبدع في اللاهوت المسيحي، وأمست معتقدات يهود العهد القديم وأرض فلسطين أمورًا مقبولة في الفكر والثقافة والفنون الغربية، وصارت قصص التوراة مألوفة كالخبز ترددها العامة والنخب عن ظهر قلب، وصار المسيح نفسه واحدا من الأنبياء العبرانيين، وحل قادة وأبطال التوراة محل القديسين الكاثوليك، كل ذلك يتم في جو استرجاعي قوي إلى عقيدة عودة المسيح الثانية، والتركيز على دور اليهود في هذه العودة، وكون اليهود مجرد أداة للخلاص وبوابة حتمية لانتشار المسيحية، ومن ثم تحولت فلسطين في الأذهان إلى أرض موعودة للشعب اليهودي المختار، وبات الربط بين الأرض واليهود يرد في الطقوس والشعائر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015