والعلوم العربية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والتي أولاها المستشرقون عناية خاصة؛ لجعلها شبكة مقنعة لاصطياد أبناء المسلمين، وبنائهم بناء جديدًا يجعلهم يخدمون أغراض الاستشراق وأغراض التنصير والاستعمار في أفكارهم، ومفاهيمهم، وفي أعمالهم، وتنظيماتهم داخل بلاد المسلمين، من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون، ويمنحونهم الشهادات العليا، والألقاب العلمية الكبيرة لأقل بحث يكتبونه في غير العلوم البحتة، ويربطون من يربطون منهم بوسائلهم الكثيرة الموصولة بأجهزتهم المستورة، ويعودون إلى بلادهم وقد امتلأت نفوسهم غرورًا؛ يضاف إلى ذلك ما تعرضوا إليه من تحول في السلوك ضمن البيئات الغربية التي أقاموا فيها خلال فترة التحصيل، وافتتان بمظاهر الحضارة المادية التي شاهدوها.
وقد سقطت معظم الجامعات المنشأة في بلاد المسلمين تحت هذه الأيدي الخفية للاستشراق والتنصير والدوائر الاستعمارية، وغدت خططها ومناهجها وتوجيهاتها تخضع بطريق مباشر أو غير مباشر لما تفرضه، وتمليه هذه الأيدي الخفية، وغدت الكنيسة الغربية تفخر بأن العلوم الإسلامية والعلوم العربية يدرس على طريقتها التي تخدم أغراضها في بلاد المسلمين، وتفاخر بأن المشرفين على تدريس هذه العلوم من تلامذة أبنائها. وأي انتكاس أقبح من هذا الانتكاس أن يتعلم المسلمون دينهم ولغاتهم وفق طرائق أعدائهم وأعداء دينهم، هل يقبل اليهود والنصارى أن يتعلموا أصول دياناتهم وفروعها على أيدي علماء المسلمين، وأن يأخذوا منهم الشهادة بذلك؟ فما بال المسلمين يسقطون في هذا الانتكاس الشائن.
إن الاستعمار المادي المباشر أهون من هذا اللون من ألوان الاستعمار، الذي وصل إلى القاعدة الكبرى التي تقوم عليها الأمة الإسلامية، وهي قاعدة دينها