بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
(التفسير المادي للتاريخ والأطوار المزعومة له والرد عليه)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
والمادية التاريخية -كما هو واضح من تسميتها- هي محاولة لتفسير التاريخ البشري على الأسس المادية، التي يزعم الشيوعيون الملحدون أنها هي أساس وجود هذا الكون، فهم يقولون: إن المادة أزلية أبدية وأنها هي الخالقة لكل ما في الكون من مخلوقات، وأن الإنسان هو نتاج المادة والفكر نتاج المادة، وأن قوانين المادة هي بذاتها التي تحكم حياة البشر الاجتماعية، وأن الوضع المادي والاقتصادي هو الذي يكيف شكل الحياة البشرية في أي وقت من أوقاتها وفي أي طور من أطوارها، وأنه هو الأصل الذي تنبثق منه الأفكار والمشاعر والمؤسسات والنظم، التي ينشئها البشر في حياتهم، وأنه يأتي دائمًا سابقًا لها ولا تجيء هي سابقة له بحال من الأحوال؛ لأن المادة تسبق الوعي ولا يمكن للوعي أن يسبق المادة، وأن الوضع المادي والاقتصادي في تطور دائم، ومن ثم فإن الأفكار والمشاعر والمؤسسات والنظم التي تنبثق عنه دائمة التطور كذلك، بحكم ارتباطها بالوضع المادي والاقتصادي وانبثاقها عنه.
والحقيقة أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين المادية الجدلية والمادية التاريخية، بحيث يصعب الفصل بينهما، بل هم أنفسهم يقولون ذلك، فقد جاء في كتاب (المادية التاريخية): "إن المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية تظهران كعلم واحد وكفلسفة متكاملة، فلا المادية التاريخية معقولة بدون المادية الديالكتيكية، ولا المادية الديالكتيكية ممكنة بدون المادية التاريخية، فبماذا نفسر ذلك؟ -والكلام لا زال لصاحب الكتاب-:
أولًا: لأنه لا يمكن وضع نظرة مادية ديالكتيكية عن العالم ككل إذا لم يتوفر التفسير المادي للحياة الاجتماعية، إذا لم يكن قد اكتشف أن المجتمع هو أيضا