هي أقوى الأدلة على وجوده وخلقه لهذا الكون وتدبيره له، ولعل الذين جرءوا فنفوا وجود الله -عز وجل- إنما حملهم على هذا ما وجدوه من أوصاف الإله سبحانه في التوراة والإنجيل، التي حرفت بأيدي اليهود والنصارى، فهم يصفونه في هذه الكتب المحرفة -وحاشاه- من أنه شاخ وكبر وينسى ويأكل ويشرب ويمشي ويجلس ويحزن ويندم ويهم بالشيء ثم لا يفعله، تعالى الله عما يصفون.

نعم؛ إن مثل هذا الإله بصفاته من السهل جدًّا إنكاره، خصوصًا إذا أضفنا إليه الصفات التي وردت في التلمود، من تعلقه ببني إسرائيل وتدليله لهم وغضبه أحيانًا عليهم، ثم يضرب وجهه ويندم ويبكي ويلعب مع الحوت الكبير، إلى آخر تلك الصفات التي تدل على سقوط المتصف بها، فضلًا عن اعتقاد احترامه، ولكننا لا نبحث عن هذا الإله ولا عن الإله الذي اعتقدت الشيوعية فيه أنه يحابي الظلمة، أو أنه لا وجود له إلا في أذهان الرجعيين لأنه غير منظور وغير موجود، متجاهلين أنه ليس كل موجود حتمًا يُرى، كوجود الهواء الذي نحس به ولا نراه وكوجود العقل في الإنسان، إذ نفرق بين المجنون وبين العاقل بوجود الروح إذ نفرق بين الحي والميت، والجاذبية والمغناطيسية والكهرباء وغيرها من الأمثلة التي لا تحصى.

فنحن نؤمن بهذا الإله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الإله الذي يعلم السر وأخفى، إله خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، نؤمن بهذا الإله الحق ونكفر ونلعن من يشك في وجوده، فلقد تيقن كل إنسان أنه لم يخلق نفسه وأن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا المادة ولا الطبيعة خلقت أحدًا، إذ إن المادة والطبيعة مخلوقة مقهورة، كما أنه لا يجرؤ أحد على أن يقول: إنه يخلق شيئًا ما أو إنه خلق نفسه أو غيره، وقد استيقن بهذا حتى أكابر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015