نظرية التملك في الإسلام تتميز عن المذاهب الوضعية البشرية أنها تقوم على إباحة الملكية الفردية بالوجوه المشروعة؛ لأن غريزة الإنسان في حب التملك هي غريزة فطرية، والإسلام يسايرها ويهذبها حتى لا يتحول الإنسان المسلم إلى إنسان شره كإنسان الرأسمالية، أو مكبوت كإنسان الاشتراكية، غريزة حب التملك من طول الغرائز التي تظهر في حياة الطفل بصورة واضحة، ولو نظر أحدنا إلى أطفاله الصغار لأدرك هذا تمام الإدراك، ولذلك جعل الإسلام للتملك وجوهه المشروعة، يتملك الإنسان مثلًا بالسعي والاكتساب، فهو كما يقول القرآن {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15).
فالإسلام لا يأمر الناس بالانقطاع للعبادة، بل يكلفهم أن يأخذوا حظهم الروحي في عبادة الله، ثم ينطلقوا بعد ذلك لتحصيل حظهم المادي، ومن وجوه التملك في الإسلام إحياء الأرض الممات، ذلك بأن يعمل إلى أرض لم يتقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أحيا أرضًا ميتة فهو له)) رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه.
ويتملك المسلم أيضًا بالغنيمة في الجهاد وبالفيء، ويتملك بالهبة وغيرها، ويتملك بالإرث، وحرية التملك في الإسلام مشروطة بأن تكون من الوسائل المشروعة التي يكون فيها التعاوض عادلًا من غير إجحاف بأحد الطرفين في التعامل؛ لذلك جعل الإسلام الرضا أساسًا للتبادل التجاري بين الناس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} لذلك نرى تميز الإسلام ونظريته عن غيره من المذاهب الوضعية البشرية، ويكفي أنه قرآن ربنا وشرعته {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3).
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى أله وصحبه أجمعين.