4 - الموقف من الزمن

يقول بيتر شون في دراسة له عن بودلير: طأن تجربة بودلير فيما يتعلق بالزمن، ذات أهمية أصيلة لفهم شعره (في أزهار الشر) حتى ليمكن أن يقال أنها مفتاح لفهم ذلك الشعر "، وأكاد لا أتردد في أن أقول مثل هذا القول نفسه في كل شاعر من أصحاب الشعر الحر، أعني الذين استطاعوا منهم أن يحفروا عميقا في مجرى التيار الشعري، فإن موقف كل منهم من الزمن هو الذي يعطي شعره سمة فارقة، ويحدد صلته بالحداثة، ويقرر مدى انتمائه وطبيعة ذلك الانتماء.

ذلك أنه لا خلاف؟ اليوم - حول أهمية " الزمن " في تيارات الأدب الحديث؟ على المستوى العام - لا في الشعر وحده، ولعل خير ما يصور هذه الأهمية، لا عدد البحوث الفلسفية التي كتبت في هذا الموضوع وحسب، وفي طليعتها بحوث برجسون وهيدجر، بل بتلون النتاج الأدبي منذ بروست وجيمس جويس وفرجينيا وولف بما لفكرة الزمن من قيمة في القصة الطويلة، وبهذه الدراسات الكثيرة التي كتبت حول إبراز الدور الذي " يلعبه " الزمن في مختلف الفنون الأدبية وفي نتاج عدد كبير من الأدباء، وبعيدا عن الدخول في المنعرجات الفكرية حول الموضوع، أحب أن أضع هنا بعض الحقائق الأولية:

(1) أن هناك فرقا في تصور الزمن بين الجماعات البدائية وبين الجماعات التي تعيش في ظل الحضارة، فالزمن للبدائي " ميثولوجي " أو شعائري أي أنه ربما كان منعدما، أما الزمن بالنسبة للمتحضر فإنه " تاريخي " لأنه شيء يمكن قياسه والتعامل معه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015