فهذا العاشق مثقف، وقد حفظ كتب الحكمة ومع ذلك ظل عاشقا، وذلك ما يجعل فعل الحب أقوى وأبلغ، أقول: مثل هذا الذي يعد خطأ جزئيا، لا يسيء إلى جوهر الشعر، غير أن أكبر خطأ يرتكبه الشاعر الحديث يتجلى فيما يكون نتيجة عجز عن " الرؤية الصحيحة "، إذ أن الشاعر الحق هو الذي لا تقذفه موجة طاغية من الفجيعة، ولا تطوح به موجة عارمة من الفرج، بحيث تنبهم دونه رؤية الأشياء على حقيقتها، وفي موقعها الصحيح وضمن إطارها السليم، ومن يدرس بعض حصاد الهزيمة (1967) أو بعض حصاد الانتصار (1973) يدرك ما أعنيه، ولعل خير مثل أورده؟ متصلا بالحادثة الثانية - وأكتفي بمثل واحد - هو ديوان كامل للشاعر محيي الدين البرادعي عنوانه " القبلة من شفة السيف "، فإنه؟ في معظمه - يدور حول موضوع واحد، وأقول في هذا السياق: أن التفاؤل جميل، بل هو ضرورة، ولكنه حين يتجاوز حده يفقد قيمته، ويفقد الشعر معه القدرة على التأثير كما يعطل طاقة " النبوءة "، أهم ما يميز الشاعر الحديث.

وما دمنا نستبعد دراسة الرومنطقية وما يقابلها في الشعر الحديث، وما دمنا نستبعد أيضا تفريع هذه الدراسة تحت عنوانات مستمدة من العوامل الكبرى التي أثرت في توجيه ذلك الشعر، فلا بد من اختيار طريقة ثالثة، وهي طريقة مستمدة من النظر إلى القوى الكبرى التي تحدد وجهات الشعر نفسه، وتنبع من العلاقة الجدلية القائمة بين الشاعر وتلك القوى، وهي قوى تعمل في داخل الشعر مثلما تعمل في داخل نفس الشاعر، مثلما هي قضايا إنسانية هامة، وبعبارة أبسط ما دامت الحياة مواقف فما هو موقف الشاعر من كل قضية كبرى مثل الحب، الزمن، التراث؟ ثم بالتالي: ما هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015