أصحاب هذا الشعر. غاية ما يمكن هذا الناقد أن يقوله هو أن يبين ميزة الشعر بخروجه على المألوف، أو يصوغ نقده في شكل شعري، فيصبح النقد لونا من الشعر، يتحدث فيه الناقد بلغة شبه خاصة، خارجة عن حدود الفهم أو الحيز العقلي أيضا. وقد شاع هذا اللون من النقد، في الأيام الأخيرة، حتى كاد يحجب ما عداه. وهو لا يلغي دور الناقد وحسب، بل يوقع الدراسات الجامعية للشعر، في ظل الاستخفاف والاستهانة. غير أن مما يشفع لهذه الدراسة ويسوغ وجودها أن هذا التيار لا يمثل كل الشعر الحديث، حتى اليوم، وأن كان يبدو تيارا قويا، يضم عددا كبيرا من الشعراء، ولقوته استطاع أن يستميل إليه بعض الذين كانوا يسيرون في تيار الوضوح، ويتجهون بالشعر نحو غايات أخرى، ويقيمون جسورا متينة بينهم وبين الجمهور المتلقي للشعر.

ومهما يكن من شيء فإن الدارس الذي يقدم لهذا الجمهور نفسه كتابا مبسطا، لا بد من أن يدرك حدود مهمته، وهو إذ لم يكن مؤرخا متزمتا - يستطيع أن يجعل " قيمه ومعاييره " مرنة "، فيعالج التيارات والاتجاهات بقبول " فكري "، متخطيا بذلك كل الأغلال " المعيارية " التي قد تحول دون ذلك.

ذلك ما حاولته هذه الدراسة، في مجملها، دون أن ندعي نجاحا كاملا، في تلك المحاولة.

وقد كان من المتوقع أن أخصص فيها فصلا للحديث عن الاتجاهات التي سلكها الشعر المعاصر في الشكل، ولكن حال دون ذلك أمور منها أن هذه الدراسة تعز على التبسيط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015