هذه التوطئة جزء من صلب القصيدة لا يراد منها أن ترسم جوا معينا يصلح لما يليه؟ لأن القصيدة كلها توطئة لشيء لم يقل من بعد - باستثناء لفظة " الشمس " التي تفتتح بها القصيدة، فإنها تصلح أن تكون تحديدا زمنيا كما تصلح أن تشير إلى معاناة المحتشدين في لك السوق من شدة الحرارة. فالمنظر إذن في النهار لا في الليل، وهو بذلك ضئيل الإيحاءات الرومنطقية لأنه ضئيل الصلة بالحلم، والشاعر هنا مشاهد، وقد يبدو أنه مشاهد محايد إلا أنه ليس كذلك، فإنه يعتمد على حاستين؟ متوازيتين توازيا مقصودا في القصيدة - وهما حاسة البصر وحاسة السمع، والأولى تسجل وكأنها آلة فوتغرافية، ولكنها في الوقت نفسه، انتقائية فيما تريد أن تنقله. كل شيء هنا مرتب بالتناوب؟ على نحو عامد - بين المنظور والمسموع: والمنظور نوعان: أشياء ومناظر توحي بالفقر والتخلف " كالحمر الهزيلة والذباب وحذاء قديم، وبنادق سود وأطفال يصطادون الذباب؟ "، وأناس طيبون حالمون: فلاح فقير يحلم بأن يشتري الحذاء القديم وحكيم صغير يبيع حكمته ولا يجد لها من يسومها، وحاصدون متعبون يزرعون صاغرين للإقطاعي ويظلون جائعين، فهم يحلمون يوما أن يزرعوا لأنفسهم، وعائدون من المدينة يصرخون مما شاهدوه من أهوالها ويلوذون بحمى قريتهم، وبائعة أساور وعطور (حيث يسعى الناس إلى العثور على الحاجي والضروري فكيف يجدون ما يعينهم على شراء الكمالي!) وحداد دامي الجفن يستعيض بالحكمة عن كساد سلعته، وبائعات كرم يحلمن بالأزواج:

عينا حبيبي كوكبان

وصدره ورد ربيع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015