أن في حدة هذه الصراحة ما يسوغ ذلك التضايق الذي شعرت به نازك إزاء كثير من المحاولات الشعرية المعاصرة، ولكن الفرق بين الموقفين هو الفرق بين إحساس بشيء من التشاؤم تجاه إمكان خلوص هذا الشعر من زيف كثير علق به، وبين إيمان متفائل بأن الشعر؟ الرؤيا - قد يتحقق، بل لعل جانبا منه قد تحقق على يد قلة؟ أو على يد واحد - من الشعراء.

وهما يكن من تقارب بين بعض جوانب هذين الرأيين فإني أرى أن الحقيقة تقع في مكان ما بينهما: ذلك أن هذا الشعر الذي تسميه نازك شعرا حرا لم يعد تلبيه لرغبة في التجديد الشكلي؟ كما بدأ - وإنما أصبح مع الزمن طريقة من التعبير عن نفسية الإنسان المعاصر وقضاياه ونزعاته فهو يتطور في ذاته كلما تطورت المداخل لفهم تلك النفسية، والمبادئ المطروحة لحل تلك القضايا، والوسائل الجديدة للكشف عن ضروب اللقاء والصراع في تلك النزعات، ويجب أن نتوقع استمرارية في هذا التطور، لا عودة إلى الوسائل السابقة، حتى أمد غير قصير، خصوصا إذا صورنا ملازمة هذا التطور لأمرين هامين، أولهما: أن الزمن سيخلق أجيالا لا تعرف من صور شعرنا القديم وضروبه إلا أصداء يسيرة تفرضها النظرة التاريخية، وإنما هي أجيال قد تغذت بهذا الضرب الجديد من الشعر، ووجدت فيه صورة لما تبحث عنه في الحاضر وبعض اسقاطات على ما ترغب تحقيقه في المستقبل، وثانيهما: أن الشعر غير منفصل ولا منعزل عن ضروب التعبير الأخرى في القصص والمسرح والسينما والرسم والموسيقى، وإذا كان التغير في هذه الضروب شاملا، متطورا، (وكان ذلك كله بسبب التغير المستمر السريع في منطلقات العلم والتقنية والكشوف المتتابعة) فليس من الطبيعي أن يستقل الشعر بالارتداد إلى صور التعبير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015