ولكنها لم تفعل، وظل الاتجاه أكثر شيء محافظة، إذ يعتمد التلقائية التامة في العلاقة بين الشاعر والحدث، ويستخدم الحماسة، ويتكئ على الانفعال والتأثير المباشر، مع أنه من أكثر الموضوعات اتساعا، فهو يتناول التعاون والتكاتف الوطني والوحدة العربية الكبرى، والأبطال الوطنيين القوميين، والثورات التحررية في البلاد العربية وخارجها، والأجزاء السلبية من الوطن العربي و؟؟ غير ذلك من موضوعات، وإذا استثنينا القصائد حول المشكلة الفلسطينية، بعد الغزو الثلاثي لمصر، لم نجد تطورا كبيرا في هذا الاتجاه.

وهذا يلفتنا إلى شيء هام يتناول أكثر الشعر المعاصر، وهو أن الشاعر رغم كل المحاولات التجديدية، - إذا استثنينا قلة من الشعراء - لا يحتفل كثيرا بخلق المبنى الشعري الملائم وبتطويره، وإنما هو أسير لحظة انفعالية تتخلق فيها القصيدة على ما هجس في نفسه من شكل مألوف، ولهذا كثر الإنتاج الشعري دون أن يحمل سمات مميزة في البناء، بل أنك أحيانا لتجد ديوانا كاملا قد سار على وتيرة واحدة. ولما كان أكثر الناس متفقين على أن الشعر إبداع، فلا بد للإطلاع من زمن ليختمر في النفس، ولا بد للشاعر من مراجعة ما يكتب، ومواجهته بالشك قبل أن يقبله. أما هذا التدفق السيال فإنه يحرم صاحبه العمق والتنويع والاحتفال باختيار المبنى الملائم. وربما كان المزيد من الثقافة للشاعر الحديث أمرا ضروريا ينتصر به على الغنائية والسطحية، فإن محض الموهبة وحده قليل الغناء، لقد مضى الزمن الذي كان يقول فيه ابن وكيع " الشاعر كالمغني الحاذق ولا يضره عدم معرفته للألحان "، لأن الشاعر لم يعد مغنيا حاذقا بل أصبح مفكرا حاذقا بارعا. يريد أن يعيش زمنه بوعي وبصيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015