لن تبصرنا بمآق غير مآقينا

لن تعرفنا ما لم نجذبك فتعرفنا وتكاشفنا

أدنى ما فينا قد يعلونا يا قوت

فكن الأدنى، تكن الأعلى فينا؟..

ولسائل أن يسأل: هل تبقى الثائر الماركسي في خطه الذي اختاره حين يصبح صوفيا؟ إن الإجابة على هذا السؤال تختلف لو كان السؤال متصلا بالسريالية أو الوجودية، ذلك أن من يختار السريالية مذهبا، ربما لم يجد بدا من الانتهاء إلى التصوف، في شكل من أشكاله، وفي إيمان الوجودي بعبث الحياة دافع قوي للتصوف، أما الماركسية فالأمر فيها مختلف، ولهذا أمكننا أن نقول أن الثائر الماركسي أن أتخذ التصوف مهربا من الواقع ومن الموت، فإنه بذلك ينتقل إلى مرحلة جديدة، مهما تبق من آثار ماركسية في شعره.

والفرق بين التصوف لدى السرياليين والوجوديين (على ما قد يكون بينهما من شركة) أن الأولين يبحثون عن حقيقة كبيرة ضائعة، وأما الآخرون فإنهم يتمرسون؟ شعريا - بتوافه الحياة للسمو فوقها، وتلك هي صوفية الاحتراف في التجربة، والخروج من رمادها، ولكن هذا اللون غير كثير الوجود في الشعر الحديث، ولو قرأنا شعر أمل دنقل؟ وهو من أبرز الممثلين لها - لوجدنا لديه دائما صور العبث (الحياة) في مقابل الحزن (الموت) أو الإنسان واقفا أمام الجدار يحاول أن يوجد فيه ثغرة أي ثغرة.

وقد كان من الممكن أن تتسرب روح التصوف إلى الاتجاه القومي في الشعر، دون أن تفقده ثوريته، لأنه لا شيء مثل أن يصبح الوطن هو الحقيقة الكلية والهدف الأسمى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015