وأحب أن أسارع إلى نفي ما قد يثور في فهم القارئ من إيراد هذه الأبيات ظانا أنني أتخذها اعترافا ذاتيا يومئ إلى حال من العجز، أو أعدها مؤشرا على مرحلة من مراحل العمر، فما لهذه الغاية أوردتها، وإنما أنا أرى فيها لحظة كشف، لحظة إضاءة، كان نزار يومئ إليها إيماء سريعا من قبل، وكنا نمر بتلك الإيماءات ابرين، ترى ماذا عنى بقوله؟ في دور مبكر - مخاطبا إحداهن: " فإذا كنت واقعا لا أكون " (ديوان طفولة نهد) ، وبقوله: " فحياتي كلها شوق إلى حرف جديد " (ديوان قصائد) ، وبقوله: " ابحث في جوف الصدفات عن لفظة حب لم تلفظ " (ديوان حبيبتي) ؟ أليس هذا دليلا على أن مشكلة الصراع بين المرأة وبين الرسم بالكلمات (أي الشعر) ليست جديدة، لأنها حين تصبح هي - أي المرأة - واقعا في حياته يمحي وجوده (أي وجود الشعر) ، أيهما يختار؟ لقد كان واعيا بأنه أختار ما يريد منذ البداية، وأنه أتخذ الجنس مسكنا، وأصبح الحب كله متشابها. وعلى ضوء هذا الصراع الطويل بين الحرف والجنس نستطيع نم نتصور مقته للمرأة " المدمرة "، التي لا تستطيع أن توحي له بالشعر لأن غايتها هي أن تمتص نسغ الشعر في أعراقه؛ على ضوء هذا الفهم يستطيع القارئ أن يقرأ قصائده " مصلوبة النهدين " و " طائشة الضفائر " و " همجية الشفتين " وغيرها مما يجري هذا المجرى ليكشف أن خوف الشاعر من ضياع الحيوية الشعرية؟ لا من ضياع العفة والفضيلة - هو الذي يحدد للحب (ومن ثم الجنس) أبعاده وقيمه، فنزار إذن لم يتحدث عن الحب، بمعناه العاطفي الذي يظنه الكثيرون، إنما تحدث عنه بمعنى جديد حين جعله طرفا في قوتي صراع كبيرتين.