بالحمى والضجر قد تحجر في نفسه الفن، لأنه يكره الملق، ولكنه كان إذا خلا إلى نفسه، يحاول أن يمد يده التي تحجرت وأن يعزف على قيثارته.
وفي الثالثة يقص الشاعر على الأمير قصة حلم رآه: " رأيت في الأحلام/ تاجك منه يصنع الحداد/ نعل حصاني ويحز رأسك الجلاد؟.. " ويسكت القيثارة وينطفئ القنديل ويسدل الستار.
ويحكي الشاعر في ديوانه " سقط الزند "؟ في الدورة الرابعة - قصة ذلك الأمير الذي كان يضم مجلسه كل الصعاليك الأدعياء الداعرين المتشاعرين، فإذا أخذوا في الإنشاد، نام " مفلطحا متخما "، وكانت له نزوات عاتية، فإذا شبهه أحدهم بالقمر غضب بشدة وصفع الشاعر لأن القمر يغيب بينما الأمير دائم الحضور، وتحس في هذا المقطع أن البياتي قد نسي أنه جعل المعري قناعه، فأخذ يتحدث من خلال ذلك القناع، كالمثل الذي ينسى دوره في المسرحية، ويأخذ في مخاطبة الجمهور:
كان زمانا داعرا يا سيدي، كان بلا ضفاف
الشعراء غرقوا فيه وما كانوا سوى خراف
وكنت في مأدبة اللئام
شاهد عصر ساده الظلام
وفي هذا الموقف انتقض القناع، ولم يعد يؤدي المهمة التي وضع من أجلها.
ويستعيد البياتي في الدورة الخامسة ذكرى غربة المعري في بغداد وحنينه إلى المعرة، وحسرته على ما أصاب الأهل والأحباب من تفرق (وهو في الواقع إنما يعكس حنينه