من رغبة الإنسان المستقرة في أعماقه في أن يعيش زمنين (مرة أخرى مشكلة الزمن) إذا استطاع، بدلا من زمن واحد، بل أن المرء ليحس أحيانا، وهو يقارن؟ من هذه الناحية - حضور الماضي في الحاضر، أن الأمة العربية من أقل الأمم احتفالا بحضور هذا الماضي، لأنها تشمله - في الغالب - بإهمال وقلة مبالاة. ومن الواضح كذلك؟ وهذا أيضا من بديهيات الحركة التاريخية - إن الإنسان المعاصر، في ظل النوازع القومية المتعددة، قد أنتقل من واقع التاريخ إلى تبني " الأسطورة التاريخية " واستخدامها حافزا في تقوية " التكاتف الاجتماعي " في الأمة الواحدة، وأن ذلك كان يمتد من مبدأ الإيمان بإرادة القوة، إلى الخروج من حال الضعف والتفكك والتخلف، إلى التغطية على معالم التخلف والتفكك والضعف (واستعارة صبغة خارجية خارجية رقيقة ملساء) لاستشعار قوة وهمية، وأن الثورة على التراث إنما تمثل نفورا من هذه الأسطورة التاريخية، أو ثورة على استغلال المشاعر القومية عن طريق هذا التزوير الصارخ وهذا حق لها لا ينكر، ولكن الثورة؟ في اندفاعها - قد تقع في أخطاء مماثلة، فهي بدلا من أن تقتصر على شجب الأسطورة التاريخية تشمل بندها المندفع التاريخ نفسه، وهي في هذا الاندفاع أيضا تخلق لنفسها أسطورة تاريخية مكافئة. فهي قد تلجأ؟ وأمثلتي هنا مستمدة من التاريخ الإسلامي العربي - إلى عد كل حركة معارضة للنظام القائم ثورة إصلاحية، وبذلك تستوي في ميزانها الجديد: ثورة الزنج وثورة الحزمية؟ مثلا -، فبينما كانت الأولى انتفاضة ضد العبودية والسخرة، كانت الثانية حركة عنصرية دينية؟ في آن -، ومنذ بندلى الجوزي استغل هذا المفهوم الفضفاض لتفسير حركة التاريخ، وبذلك توفر لدينا أسطورة تاريخية جديدة، وحين لم يميز الشاعر الحديث بين الأسطورتين حكم على التاريخ بأسطورتيه الاثنتين، فأختار