الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} 1: "ليس المراد بالنفس الواحدة آدم بالنص ولا بالظاهر، فمن المفسرين مَن يقول: إن كل نداء مثل هذا يُراد به أهل مكة أو قريش، فإذا صح هنا جاز أن يفهم منه بنو قريش أن النفس الواحدة هي قريش أو عدنان، وإذا كان الخطاب للعرب عامة جاز أن يفهموا منه أن المراد بالنفس الواحدة يعرب أو قحطان، وإذا قلنا: إن الخطاب لجميع أهل الدعوة إلى الإسلام -أي: لجميع الأمم- فلا شك أن كل أمة تفهم منه ما تعتقده، فالذين يعتقدون أن جميع البشر من سلالة آدم يفهمون أن المراد بالنفس الواحدة آدم، والذين يعتقدون أن لكل صنف من البشر أبًا يحملون النفس على ما يعتقدون ... والقرينة على أنه ليس المراد هنا بالنفس الواحدة آدم قوله: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} بالتنكير، وكان المناسب على هذا الوجه أن يقول: وبث منهما جميع الرجال والنساء، وكيف ينص على نفس معهودة والخطاب عام لجميع الشعوب، وهذا العهد ليس معروفًا عند جميعهم؟!

فمن الناس مَن لا يعرفون آدم ولا حواء ولم يسمعوا بهما، وهذا النسب المشهور عند ذرية نوح مثلًا، وهو مأخوذ عن العبرانيين، فإنهم هم الذين جعلوا للبشر تاريخًا متصلًا بآدم وحددوا له زمنًا قريبًا، وأهل الصين ينسبون البشر إلى أب آخر، ويذهبون بتاريخه إلى زمن أبعد من الزمن الذي ذهب إليه العبرانيون، والعلم والبحث في آثار البشر مما يطعن في تاريخ العبارنيين، ونحن المسلمين لا نكلف تصديق تاريخ اليهود وإن عزوه إلى موسى عليه السلام؛ فإنه لا ثقة عندنابأنه من التوراة، وأنه بقي كما جاء به موسى"2.

وبهذا أكد الشيخ أن آدم ليس أبًا البشر كلهم؛ وإنما قلت: "أكد"؛ لأنه:

1- استدل بأن الآية لا تدل "بالنص ولا بالظاهر" على ذلك.

2- وأنه لو كان آدم أبًا البشر كلهم لما قال: {رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} ؛ بل قال: جميع الرجال والنساء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015