واستباحته اعتقادًا، ورده بعضهم بأن الكلام في أكل الربا، وما ذكر عنهم من جمعه كالبيع هو بيان لرأيهم فيه قبل التحريم؛ فهو ليس بمعنى استباحة المحرم، فإذا كان الوعيد قاصرًا على الاعتقاد بحله لا يكون هناك وعيد على أكله بالفعل، والحق أن القرآن فوق ما كتب المتكلمون والفقهاء، يجب إرجاع كل قول في الدين إليه، ولا يجوز تأويل شيء منه ليوافق كلام الناس، وما الوعيد بالخلود هنا إلا كالوعيد بالخلود في آية قَتْلِ العمد، وليس هناك شبهة في اللفظ على إرادة الاستحلال.
ومن العجيب أن يجعل الرازي الآية هنا حجة على القائلين بخلود مرتكب الكبيرة في النار؛ انتصارًا لأصحابه الأشاعرة، وخير من هذا التأويل تأويل بعضهم للخلود بطول المكث، أما نحن فنقول: ما كل ما يُسمى إيمانًا يعصم صاحبه من الخلود في النار، الإيمان إيمانان: إيمان لا يعدو التسليم الإجمالي بالدين الذي نشأ فيه المرء أو نسب إليه ومجاراة أهله، ولو بعدم معارضتهم فيما هم عليه، وإيمان هو عبارة عن معرفة صحيحة بالدين عن يقين بالإيمان، متمكنة في العقل بالبرهان، مؤثرة في النفس بمقتضى الإذعان، حاكمة على الإرادة المصرفة للجوارح في الأعمال؛ بحيث يكون صاحبها خاضعًا لسلطانها في كل حال، إلا ما لا يخلو عنه الإنسان من غلبة جهالة أو نسيان، وليس الربا من المعاصي التي تُنسى، أو تغلب النفس عليها خفة الجهالة والطيش كالحدة وثورة الشهوة، أو يقع صاحبها منها في غمرة النسيان كالغيبة والنظرة، فهذا هو الإيمان الذي يعصم صاحبه -بإذن الله- من الخلود في سخط الله؛ ولكنه لا يجتمع مع الإقدام على كبائر الإثم والفواحش عمدًا إيثارًا لحب المال واللذة على دين الله وما فيه من الحكم والمصالح.
وأما الإيمان الأول فهو صوري فقط، فلا قيمة له عند الله تعالى؛ لأنه تعالى لا ينظر إلى الصور والأقوال؛ ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال كما ورد في الحديث، والشواهد على هذا الذي قررناه في كتاب الله تعالى كثيرة جدًّا، وهو مذهب السلف الصالح وإن جهله كثير ممن يدعون اتباع السنة؛ حتى جرَّءوا الناس على هدم الدين؛ بناء على أن مدار السعادة على الاعتراف بالدين وإن