قد أرسل روحًا من عنده إلى مريم، فتمثل لها بشرًا ونفخ فيها؛ فأحدثت نفخته التلقيح في رحمها؛ فحملت بعيسى -عليه السلام- وهل حملت إليها تلك النفخة مادة أم لا؟ الله أعلم"1.

ولا شك أن التأويل الأول بأن مريم -عليها السلام- اعتقدت اعتقادًا قويًّا فَعَلَ في رحمها فِعْلَ التلقيح، وأن تأثير الاعتقاد القوي أثبتته التجارب الكثيرة تأويل باطل؛ بل هو مفتاح لطريق سهل للبغايا الفاسدات، وليزعمن إذا وقع منهن الحمل أنهن لم يرتكبن جريمة الزنا؛ وإنما وقع منهن هذا الاعتقاد! وما الذي بأيدينا حتى نثبت كذبهن إذا جعلنا هذا الاعتقاد سبيلًا للحمل؟!

بل وأي فضل اختصت به مريم وابنها -عليها السلام- بهذا الحمل؟! وأي أمر عجب جعله الله آية للناس إذا كانت التجارب في هذا كثيرة؟! ألا فليُعلم بطلان هذا التأويل وانحرافه.

نقول هذا مع أن الشيخ رشيد رضا وصف الوجه الثاني بأنه أقرب إلى الحق؛ ولكنه لم يكتفِ به؛ فكان حقًّا علينا بيانه.

رَفْعُ عيسى -عليه السلام- إلى الله سبحانه وتعالى:

قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} 2.

وجاء نفي قتله -عليه السلام- والإخبار برفعه إلى الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} 3.

لذا فإن المسلمين -خلافًا للنصارى- يعتقدون بأن عيسى -عليه السلام- لم يُقتل ولم يُصلب؛ بل رفعه الله إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015