تعالى- عددًا من الأمثلة من الشعر العربي، فذكر بيتًا لامرئ القيس ثم لذي الرمة ثم للنابغة ثم لامرئ القيس ثانية ثم لزهير ثم لشاعر لم يسمِّه، وأورد بعد ذلك أمثلة لورود الخفض بالمجاورة في القرآن الكريم، وقال بعد هذا كله:
"وبهذا تعلم أن دعوى -كون الخفض بالمجاورة لحنًا لا يحتمل إلا لضرورة الشعر- باطلة، والجواب عما ذكروه من أنه لا يجوز إلا عند أمن اللبس هو أن اللبس هنا يزيله التحديد بالكعبين؛ إذ لم يرد تحديد الممسوح وتزيله قراءة النصب كما ذكرنا، فإن قيل: قراءة الجر الدالة على مسح الرجلين في الوضوء هي المبيِّنة لقراءة النصب بأن تجعل قراءة النصب عطفًا على المحل؛ لأن الرءوس مجرورة بالباء في محل نصب على حد قول ابن مالك في الخلاصة:
وجر ما يتبع ما جر ومن ... راعى في الاتباع المحل فحسن
وابن مالك وإن كان أورد هذا في "إعمال المصدر" فحكمه عام؛ أي: وكذلك الفعل والوصف، كما أشار له في الوصف بقوله:
واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... كمبتغي جاه ومالًا من نهض
"فالجواب" أن بيان قراءة النصب بقراءة الجر -كما ذكر- تأباه السنة الصريحة الصحيحة الناطقة بخلافه، وبتوعد مرتكبه بالويل من النار، بخلاف بيان قراءة الخفض بقراءة النصب، فهو موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه قولًا وفعلًا.
فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: تخلَّف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا، وقد أرهقتنا الصلاة -صلاة العصر- ونحن نتوضأ؛ فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار". وكذلك هو في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار". وروى البيهقي والحاكم بإسناد صحيح عن عبد الله بن حارث بن جزء أنه سمع رسول الله صلى