وهناك مؤلفات في تفسير آيات الأحكام لغير هذه المذاهب، لا أرى موجبًا لذِكْرِها. وما ذكرتُه من أمثلة للمؤلفات ليس كل ما كتب فيها؛ فقد اعتنى العلماء في القديم بهذا اللون من التفسير، وإذا ما حوَّلنا النظر إلى العصر الحديث فلا نكاد نجد منها ما يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وقد تبين لي من مُطالعتي لهذه التفاسير أن هناك فروقًا بين المؤلفات الحديثة والمؤلفات القديمة؛ أذكر منها:
أولًا: أن غالب المؤلفات الحديثة غير شاملة لآيات الأحكام كلها؛ بل تقتصر على بعض الآيات من بعض السور، ولعل سبب ذلك أن هذه المؤلفات إنما وضعت لطلبة الدراسات في الكليات؛ فكان ما يُكتب فيها حسب مناهج الدراسة في هذه الكليات، بخلاف المؤلفات في القديم؛ فهي شاملة لآيات الأحكام الصريحة وغير الصريحة؛ لأنه لا يلتزم منهجًا وضعه له غيره لا يحيد عنه.
ثانيًا: أن التفاسير في العصر الحديث لا تلتزم مذهبًا بعينه، فهي تفسر آيات القرآن الكريم حسب المتبادر منها من غير توجيه لها أو صرف إلى مذهب معين؛ ولهذا فلا تجد فيها التعصب للمذهب الذي سرى في بعض المؤلفات القديمة؛ بل إن مؤلفي العصر الحديث يُصرحون في مقدِّمة تفاسيرهم بأنهم لا يلتزمون مذهبًا بعينه؛ وإنما يتبعون ما يرون أنه الحق.
ثالثًا: أن التفاسير في العصر الحديث لا تستطرد في الحديث عن فروع الفروع؛ بل تكتفي ببيان مهمات الآيات المدروسة ودلالتها من غير توسع يحوِّل التفسير إلى كتاب فقهي موسَّع بكل أبعاده وجوانبه.
وهذا خلاف بعض التفاسير القديمة التي تذكر في تفسير الآية ما لا يمت لها بصلة، ولا مكان له إلا كتب الفقه المطولة.
رابعًا: وهذا الفارق متولِّد عن الفارق الذي قبله؛ وهو أن اقتصار المؤلفات الحديثة -على ما ذكرنا- وكونها تؤلف للدارسين جعلها أقل حجمًا من المؤلفات القديمة؛ إذ لا يتجاوز حجم أكبرها مجلدين، بخلاف المؤلفات القديمة التي وصل بعضها إلى عشرة مجلدات كبار.