وعرفنا وجوهاً مختلفة لتحمله الحديث عن الرسول الكريم فكان تارة يسأله، وأخرى يراه، وحيناً يعرف الرسول تطلُّعه إلى العلم فيُحَدِّثُهُ، وأحياناً يلازمه في حلقاته ومجالسه، وأكدت لنا سيرته فناءه في خدمة الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أجل حكمة يُعَلِّمُهُ إياها، وكان كل أمله أنْ يتعلَّم علماً لا ينساه أبداً، ودعا بذلك، وأمَّن الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على دعائه، فحقق الله له ما تمنَّة، وشهد له رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بحرصه على الحديث.
ثم رأينا حرصه على تبليغ العلم ونشره، فعقد لذلك حلقات الحديث في الحجاز، والشام، والعراق، والبحرين ... وقد عرف الناس علمه، وفضله، وأمانته ومكانته، فكثروا عليه، ونهلوا من معينه، فكان يحدِّثهم في بيته وفي مسجد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يقوم فيهم في أوقات عينها لهم يحدِّثُهم ويفتيهم، وكان لا يترك فرصة تسنح لنشر العلم إلاَّ أفاد منها، ولم يبخل قط بتبليغ ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم، وكان يحضُّهم على طلب العلم، كما أملى الحديث أحياناً على طلابه، كإملائه على همام بن منبه، وبشير بن نهيك ...
وقد عرفنا إتقانه وضبطه ودقيق حفظه، فلم نستغرب كثرة حديثه، بعد أنْ عرفنا صُحبته وملازمته للرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وحرصه على طلب العلم، وجُرأته في سؤال الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عما لا يسأله غيره، وقد شهد له الصحابة بذلك، كما شهد كثير منهم بأنه سمع ما لم يسمعوا، ولإتقانه وسعة علمه وحفظه، حدَّث عنه بعض الصحابة كأبي أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك وغيرهم.
وعرفنا أنه كان يحفظ علماً كثيراً نشر بعضه، وهو ما يلزم الأمَّة في جميع أحوالها، الخاصة والعامة، وأمسك عن نشر بعضه الآخر، وانتهينا إلى أنَّ العلم الذي لم ينشره لم يكن مِمَّا يتعلق بالأحكام والآداب والأخلاق، وإنما يتناول بعض أشراط الساعة، وبعض ما سيق للأمَّة من فتن، وما يليها من أمراء السوء. وأكدنا أنه كان حريصاً حذراً لا يُحَدِّثُ