طيباً كريماً، مبسوط الكف، فياض اليد، حتى إنه كان أحياناً لا يبيت على مال يأتيه قبل أنْ يتصدَّق به، وكان يحب الكسب الطيب من عمله وجُهده.
ثم عرفنا حقيقة ولايته البحرين لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وأدركنا أمانته وإخلاصه، وتجلَّى إباؤه وكرامة نفسه حين عرض عليه أمير المؤمنين الإمارة ثانية فأبى، ثم عرفنا موقفه من فتنة عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وكيف أبى أنْ ينقُض بيعة في عنقه، فكان يوم الدار يدافع عن أمير المؤمنين مع أعيان الصحابة وأولادهم. ثم عرفنا حياده التام في عهد عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وانتهينا إلى أنه لم يشترك في تلك الفتن والخلافات.
وعرفنا أبا هريرة في إمارته على المدينة، فكان الأمير المتواضع، الذي لم ترفعه الإمارة عن إخوانه، ولم تنسه أنه مسؤول عن رعيته، فكان يخالطهم، ويجالسهم، مؤكداً للمسلمين زُهده فيها وفي الدنيا، حتى إنه كان يحمل حزمة الحطب على ظهره وهو أمير المدينة، يشق طريقه بين الناس.
وعرفنا حُبَّهُ للجهاد في سبيل الله وحرصه عليه، وانتهينا إلى أنه شهد مع رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أواخر غزوة خيبر، كما شهد معه جميع الغزوات بعدها، وعرف فيه الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجُرأة، فأرسله في بعض البعوث والسرايا، وبعد وفاته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قاتل المُرْتَدِّينَ، وشهد وقعة اليرموك، وإلى جانب هذا رأينا في أبي هريرة جانب المرح والمُزاح اللطيف المُسْتَحَبَّ، الذي يدخل السرور إلى نفوس إخوانه، إلى جانب منزلته ووقاره، وعرفنا فهمه لنفسية الأطفال، وعطفه عليهم، ورعايتهم وإسعادهم، بمؤاكلتهم حيناً، ومداعبتهم أحياناً.
ولمسنا حُسن أخلاقه ونُبْلِهِ، وَبِرِّهِ بأمه، وحث الناس على التخلق بالأخلاق الفاضلة الحميدة، والعمل على التآخي والتعاون وصلة الأرحام، وتجلَّى لنا في مرضه حُبَّهُ للقاء الله - عَزَّ وَجَلَّ -، وخشيته منه، وعرفنا من وصيَّته قبل وفاته، زيادة حرصه على التسمك بالسُنَّة الطاهرة.
وأما الحانب العلميّ من أبي هريرة فقد عرضنا ما يؤكد حرصه على طلب العلم، وتعلُّقه به، وحُبِّهِ لحديث الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،