وهذه الأفضلية لأبي هريرة يشكر عليها، لأنه تمسَّك بالحق وعدل عن رأيه. ثم إنَّ السيدة عائشة لم تكن معارضة لأبي هريرة دائماً بل ناصرته في مواقف كثيرة، قالت: «صَدَقَ أَبُو هَرَيْرَةُ»، وقد مَرَّ بنا شيء من هذا في ترجمته وسَيَمُرُّ بعض ذلك فيما يلي.
...
عَنْ عَامِرٍ بْنِ سَعْدٍ بْنِ أَبِي وَقَّاصَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ الله بن عُمَرَ، إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ المَقْصُورَةِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الله بن عُمَرَ أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أبو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ». فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّابًا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِمَا قَالَتْ، وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصَى الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «صَدَقَ أبو هُرَيْرَةَ». فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ» (?).
وضاق أهل الأهواء ذَرْعاً بحديث أبي هريرة، وحاولوا جَرْحَهُ بكل وسيلة إلاَّ أنهم لم يفلحوا في ذلك. من هذا ما رواه أبو القاسم البلخي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ , أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ» فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ». قَالَ: «إِنَّ لأِبي هُرَيْرَةَ زَرْعًا» (?).
واستشهد بهذا صاحب كتاب " أبو هريرة " (?) مُستدلاًّ به على نقد الصحابة لأبي هريرة.