فلم تُكَذِّبْهُ السيِّدة أم المؤمنين، بل قالت: «لَعَلَّهُ». ونرى الروايات تعيد الضمير في قوله: (شغلك عنه) إلى كثرة الحديث ولكن أَبَا رِيَّةَ أعاده للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِيُصَوِّرَ شناعة قول أبي هريرة وكيف رأى أدبه خروجاً على الأدب والوقار؟ وهذا لا يليق بالبحث العلمي.

أما قوله بعد ذلك (أنه لم يثبت أنْ عاد فشه بأنها أعلم منه). فهذا غير صحيح ولا يقوله إلاَّ متحامل، لأنه لا يوجد أي تعارض بين الروايتين، فهذه القصة تتناول حفظ أبي هريرة وكثرة حديثه، ولم يتراجع أبو هريرة عما رواه، بل سَمِعَتْ منه عائشة دفاعه عن نفسه واقتنعت بما قال.

وهناك ما يثبت أنَّ السيِّدة عائشة أم المؤمنين - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - لم تنكر على أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كثرة ما يَرْوِي بل صَدَّقَتْهُ، فقد روى الرامهرمزي بسنده عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: «أَدْنُوهُ مِنِّي»، فَأَدْنُوهُ فَقَالَتْ: «أَذَكَّرْتَنِي شَيْئًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (?).

وأما القصة الثانية «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا، فَلاَ صَوْمَ عَلَيْهِ» وتراجع أبي هريرة فقد بيَّنتُ فيما سبق وجهتها، ولا شك أنَّ عائشة أعلم بهذا منه، لأنَّ هذا خاص لم يطَّلِعْ عليه أبو هريرة، فهل في دعوته عن رأيه تكذيب من عائشة له؟ ثم من تعمق في البحث يجد أنَّ أبا هريرة عاد عن فتواه التي بناها على ما أخبره به الفضل بن العباس في رواية وأسامة بن زيد في رواية أخرى. وأنَّ رجوعه هذا لم يكن رجُوعاً عن حديث حَدَّثَ به (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015