وحقوقه الاجتماعية - أقول هذا بِغَضِّ الطرف عن مكانه وشرف الصُحبة - والحكم على إنسان مهما كان شأنه صعب يحتاج إلى روية، وبحث وتنقيب، وعقل وتفكير، لأننا إذا طعنَّا فيه يعني ذلك أننا حرمناه من جميع حقوقه الاجتماعية، والثقافية والسياسية وغيرها، ورفضنا كل ما يصدر عنه وتركنا كل ما رواه أو قاله، وإنْ حكمنا بعدالته نكون قد اعترفنا له بكل حقوقه وأقررنا وقبلنا مروياته، ولهذا وجب علينا أنْ نتجرَّد، لنرضي الله ونكون مع الحق الذي أمرنا باتِّباعه وتطبيقه، وإنْ كان في هذا غضب أصحاب الأهواء والغايات.
...
قال الكاتب: «نشأ في مسقط رأسه (اليمن) وشب ثمة حتى أناف على الثلاثين، جاهلياً لا يستضئ بنور بصيرة، ولا يقدح بزناد فهم، صعلوكاً قد أخمله الدهر ويتيماً أزرى به الفقر، يخدم هذا وذاك وتي وتلك، مؤجراً نفسه بطعام بطنه حافياً عارياً. راضياً بهذا الهوان ... »
أترك القارئ الأمين يحكم على هذا النص ويستنتج منه روح ونفسية الكاتب الذي وضع نفسه قاضياً أو حَكَماً لينصف الإسلام في شخصية أبي هريرة، ويضع أبا هريرة حيث يليق به.
أيها الناس .. هل من إنسان متجرِّد للحق وحده يقبل أنْ يقال في أبي هريرة هذا .. بعد أنْ رأى الصورة الصادقة التي لم يخالطها هوى، أو تعتريها رغبات نفس حقودة، أو طائفية موروثة!!؟؟.
نحن نقبل الذوق الفني والقياس العلمي الذي ادَّعَاهُ الكاتب في مقدمة كتابه، فنقول: متى كان الجهل يسقط العدالة؟ وهل كان جميع الناس في الجاهلية متعلِّمين أو علماء؟ ألم يكن كثير من الصحابة أُمِيِّينَ جاهلين قبل الإسلام فشرح الله صدورهم للإيمان، وثبته في قلوبهم، فغدوا سادات زمانهم، وعلماء عصرهم، وأساتذة أُمَّتِهِمْ.