أو صغيرة إلاَّ بَيَّنُوهَا، فعرفوا الصحيح والضعيف والسليم والمعلول، لم تأخذهم في ذلك عاطفة أو هوى، فطبَّقُوا مقاييسهم الدقيقة على الجميع، فكانوا قدوة حسنة في إخلاصهم وأمانتهم، حتى إنَّ الرجل يأبى أنْ يُحَدِّثَ عن أبيه أو أخيه بالرغم من ورعه وصلاحه، ويُبَيِّنَ أمره للناس، من ذلك قول عليٌّ بن المديني في أبيه حين سألوه عنه قال: «سَلُوا عَنْهُ غَيْرِي»، فأعادوا المسألة، فأطرق ثم رفع رأسه فقال: «هُوَ الدِّينُ، إِنَّهُ ضَعِيفٌ» (?).

كما كانوا يأبون أنْ يُحَدِّثُوا من يرتابون في أمره، وإن كان صالحاً أو ذا منزلة ومكانة، من هذا، ما رواه أحمد بن أبي الحواري قال: «جاء رجل من بني هاشم ليسمع من ابن المبارك فامتنع. فقال الهاشمي لغلامه: قُمْ بنا، فلما أراد الركوب، جاء ابن المبارك، ليمسك بركابه، فقال: يا أبا عبد الرحمن لا ترى أنْ تُحَدِّثَنِي وتمسك بركابي .. !!؟ قال: رأيت أنْ أذل لك بذُلِّي، ولا أذلَّ لك الحديث!!» (?).

هؤلاء جهابذة العلم، ورجال الفن، الذين نقبل حكمهم في أبي هريرة، فلو عرفوا عنه شيئاً ما سكتوا عنه وإنْ كان صحابياً جليلاً، لأنَّ السُنَّة والشريعة لا تُحَابِي أحداً.

ولكنهم لم يجدوا ما يأخذونه عليه، بل كان عندهم الثقة الأمين .. على ضوء المقاييس العلمية والأذواق الفنيَّة المُجَرَّدَةِ.

ويتابع الكاتب قوله: «فلا يصح في منطق أنْ نسكت عن هذا الدخل الشائن لجوهر الإسلام، وروحه الرفيعة المُنادية بالتحرُّر والانعتاق من كبول العقائد السخيفة والخرافات التي يسبق إلى الذهن استنكارها، وإذن فالواجب تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لا يحتمله العقل من حديث هذا المكثار». أيُّ دخل شائن لجوهر الإسلام وروحه؟ نحن على استعداد، بل المسلمون جميعاً مُستعدُّون، للدفاع عن الإسلام وتخليصه من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015