فإنه لم يرض بحذف علامة النداء من (هذي)، وهو غير جائز عند النحويين، حتى ذكر الرسيس والنسيس، فأخذ بطرفي الثقل والبرد، وكقوله (من المنسرح):
أوه بديل من قولتي واها
وهو برقية العقرب أشبه منه بافتتاح كلام في مخاطبة ملك. وكقوله - وهو مما تكلف له اللفظ المتعقد، والترتيب المتعسف، لغير معنى بديع يفي وغرابته بالتعب في استخراجه، ولا تقوم فائدة الانتفاع به بازاء التأذي باستماعه (من الطويل):
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه
وكقوله في استفتاح قصيدة في مدح ملك يريد أن يلقاه بها أول لقية (من الطويل):
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا
وفي الابتداء بذكر الداء والموت والمنايا ما فيه من الطيرة، التي تنفر منها السوقة، فضلا عن الملوك. حكى الصاحب قال: ذكر الأستاذ الرئيس يوما الشعر، فقال: وإن أول ما يحتاج فيه إليه حسن المطلع، فأن ابن أبي الشباك أنشدني في يوم نيروز قصيدة ابتداؤها (من الطويل):
أقبر وما طلت ثراك يد الطل؟
فتطيرت من افتتاحه بالقبر، وتنغصت باليوم والشعر، فقلت: كذاك كانت حال ابن مقاتل لما مدح الداعي بقوله (من الرمل):
لا تقل بشرى ولكن بشريان ... غرة الداعي ويوم المهرجان
فإن نفر من قوله (لا تقل بشرى) أشد نفار، وقال: أعمى وتبتدئ بهذا في يوم مهرجان؟! قال الصاحب: ومن عنوان قصائده التي تحير الأفهام، وتفوت الأوهام،