من قصد الانتفاع بها وإن لم يقو عليها فانفعه بقصده ويدخل الناظم في هذا الدعاء؛ لأنه قصد نظمها ونفع الناس بها وقد حقق الله رجاءه واستجاب دعاءه ثم قال: حنانيك فطلب التحنن من الله تعالى وهذا أحد المصادر التي جاءت بلفظ التثنية المضافة إلى المخاطب نحو لبيك وسعديك والمراد بها المداومة والكثرة؛ أي: تحنن علينا تحننا بعد تحنن وقطع همزة اسم الله في النداء جائز تفخيما له واستعانة به على مد حرف النداء مبالغة في الطلب والرغبة ثم كرر النداء بقوله: يا رافع العلا؛ أي: يا رافع السموات العلى كما قال تعالى تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى.
1170-
وَآخِرُ دَعْوَانَا بِتَوْفِيقِ رَبِّنَا ... أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي وَحْدَهُ عَلا
ختم دعاءه بالحمد كما قال الله تعالى إخبارا عن أهل الجنة جعلنا الله بكرمه منهم: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فالباء في بتوفيق ربنا يجوز أن يتعلق بدعوانا؛ لأنه مصدر كما تقول دعوت بالرحمة والمغفرة ويجوز أن تكون باء السبب؛ أي: إنما كان آخر دعوانا أن الحمد لله بسبب توفيق ربنا؛ لاتباع هذه السنة التي لأهل الجنة.
1171-
وَبَعْدُ صَلاةُ اللهِ ثُمَّ سَلامُهُ ... عَلَى سَيِّدِ الْخَلْقِ الرضَا مُتَنَخِّلا
أي: وبعد تحميد الله تعالى، وذكره فنصلي ونسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقوله: صلاة الله ثم سلامه مبتدأ وخبره على سيد الخلق؛ أي: حالان عليه والرضى نعت؛ أي: المرتضي ومتنخلا نصب على الحال؛ أي: مختارا ثم بينه فقال:
1172-
مُحَمَّدٌ الْمُخْتَارُ لِلْمَجْدِ كَعْبَةً ... صَلاةً تُبَارِي الرِّيحَ مِسْكًا وَمَنْدَلا
محمد عطف بيان وكعبة ثاني مفعولي المختار؛ لأنه اسم مفعول واقع صلة للألف أو اللام والتقدير: الذي اختير كعبة واللام في للمجد يجوز أن تكون للتعليل؛ أي: اختير كعبة تؤم وتقصد من أجل المجد الحاصل له في الدارين ويجوز أن تكون من تتمة قوله: كعبة؛ أي: كعبة للمجد؛ أي: لا مجد أشرف من محمد كما أن كعبة مكة شرفها الله تعالى أشرف ما فيها أو على معنى أن المجد طائف كما يطاف بالكعبة وقول الناس هو كعبة الكرم إنما يراد به أن يحج إليه ويقصد من أجل كرمه كالكعبة وهذه المعاني كلها موجودة في المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وصلاة نصب على المصدر؛ أي: أصلي صلاة هذه صفتها أو يكون منصوبا على المدح؛ لأن ما تقدم من قوله: صلاة الله يغني عن هذا التقدير: ومعنى تباري الريح تعارضها وتجري جريها في العموم والكثرة ومسكا ومندلا حالان؛ أي: ذات مسك ومندل وهو العود أو صلاة طيبة فيكونان صفة لها والطيب يكنى به عن الثناء الحسن ويجوز أن يكونا تمييز بن كمال يقال فلان تيار الريح سخاء؛ أي: يجري سخاوة جريها وتعم عموم هبوبها فالمعنى تباريها مسكها أو مندلها والريح أيضا تحمل الرائحة الطيبة مما تمر به من النبات الطيب الريح فقد اتضحت مباراة الصلاة للريح في حالة الطيب من الجهتين.