وإذا علمت هذا فاعلم أن الله جل وعلا قال في كتابه العزيز: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (?) فصرح في هذه الآية بأن المكان الذي علمه الصفا، والمكان الذي علمه المروة من شعائر الله. ومعلوم أن الصفا والمروة كلاهما علم لمكان معين، وهو علم شخص لا علم جنس، بلا نزاع ولا خلاف بين أهل اللسان في أن العلم يعين مسماه - أي: يشخصه - فإن كان علم شخص كما هنا شخص مسماه في الخارج، بمعنى: أنه لا يدخل في مسماه شيء آخر غير ذلك الشخص، عاقلا كان أو غير عاقل، وإن كان علم جنس شخص مسماه في الذهن، وليس البحث في ذلك من غرضنا.
وبما ذكرنا تعلم أن ما ذكر الله في الآية أنه من شعائر الله هو شخص الصفا وشخص المروة، أي: الحقيقة المعبر عنها بهذا العلم الشخصي، ولا يدخل شيء آخر البتة في ذلك لتعين المسمى بعلمه الشخصي دون غيره، كائنا ما كان، سواء كان الفراغ الكائن فوق المسمى المشخص بعلمه أو غير ذلك من الأماكن الأخرى. وإذا علمت ذلك فاعلم أن الله تعالى رتب بالفاء قوله {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (?) على كونهما من شعائر الله، وفي قوله تعالى: {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (?) إجمال يحتاج إلى بيان كيفية التطوف ومكانه ومبدئه ومنتهاه.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا النص القرآني بالسعي بين الصفا والمروة، مبينا أن فعله المذكور واقع لبيان القرآن العظيم المذكور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم (?) » وقوله: «أبدأ بما بدأ الله به (?) » يعني: الصفا في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} (?)