وتفريعه ويسهل على الناظر إلحاق كل فرع بأصله.
فنقول: قال في بيان الحاجة إلى الخط ما عبارته: إن فائدة التخاطب والمحاورات في العلوم لما توقف على معرفة أحوال الألفاظ سيما الألفاظ العربية التي تبنى عليها شريعتنا هذه مع كونها أفضل اللغات وأكملها ذوقا وبرهانا اعتنى علماء ملتنا هذه بالبحث عن أحوالها وضبط أصولها وفروعها واستخراج خواصها ومزاياها فوضعوا لذلك علوما أصولا وفروعا.
واعلم: أن الألفاظ لما اختصت منافعها بالحاضرين وسمت همم الأمم إلى اطلاع الغائبين من المعاصرين ومن الذين سيولدون من بعدهم وضعوا خطوطا دالة على تلك الألفاظ وبحثوا عن أحوالها من كيفية نقوشها وحركاتها وسكناتها وضوابطها من نقطها وشداتها ومداتها وعن تركيبها وتسطيرها إلى غير ذلك من الأحوال فحدثت هناك علوم شتى انتهى.
ثم أوردها في ضمن شعبتين:
الأولى: في العلوم المتعلقة بكيفية الصناعة الخطية وذكر فيها علم أدوات الخط وعلم قواني الكتابة وعلم تحسين الحروف وعلم كيفية توليد الخطوط عن أصولها وعلم ترتيب حروف التهجي وعلم ترتيب أشكال بسائط الحروف وعلم إملاء الخط العربي وعلم خط المصحف علم خط العروض.
ثم جعل الدوحة الثانية في علوم تتعلق بالألفاظ وفيها مقدمة وثلاث شعب.
المقدمة في بيان الحاجة إلى العلوم المذكورة.
قال: اعلم أن الإنسان لما كان مدنيا بالطبع احتاج في تعيشه إلى إعلام ما في ضميره لغيره وإلى الوقوف على ما في ضمير الآخرين فاقتضت الحكمة الإلهية والرحمة الأزلية إحداث دوال يخف عليه إيرادها ولا يتبعها أضدادها بل لا يحتاج في تحصيلها إلى آلات غير الآلات الطبعية لئلا يصرف أوقاته فيما يشغل نفسه عن كثير من المهمات الطبعية والشرعية فقاده الإلهام الإلهي إلى استعمال الصوت العارض للنفس الضروري للحيوان بالآلات الذاتية الطبعية وتقطيعه بتوسط تلك الآلات بأن يفيد تلك الآلات للأصوات كيفيات على أنحاء شتى وطرق مختلفة يمتاز بسببها بعضها عن بعض باعتبار مخارجها وصفاتها ويسمى تلك الألفاظ حروفا ويحصل منها بحسب التركيبات المتنوعة كلمات دالة بحسب الأوضاع المختلفة على المعاني الحاصلة في ضمائر المتكلمين التي تتوقف عليها المعايش وتحصيل المعارف.
ثم تركيبات تلك الحروف لما أمكنت على وجوه مختلفة وأنحاء متنوعة مع تنوع مخارج الحروف وأصنافها بحسب تنوع الطباع والعادات من الطوائف في كل ملة بل في كل صقع من الأصقاع حصل لهم ألسنة مختلفة ولغات متباينة بحيث لا تعد كثرة إلا أن أفضلها وأعلاها اللغة التي خصت بها أوسط الأمم وأخصهم وقد نزل عليها أشرف الكتب وأعلاها وأقومها من جهة الأحكام وأدومها إلى يوم القيام وقد نطق بهذه اللغة أفضل الأنبياء وخاتمهم وأشرفهم وفص خاتمهم أعني لغة العرب العرباء التي اختصت بالبلاغة والإعجاز وبسحر الكناية والمجاز وهل اختص غيرها بفنون لو عد اشهرها لبلغت إلى أربعين بل أكثر وهل شرف ما عداها بالتحدي حتى فاق واحد على مئين.