أ. د. زرزور: أنا أقول: إن القرآن معجز بنفسه وليس بتفسيرنا له. وكأن الدكتور النجار وغيره يتحدثون عن إعجاز التفسير العلمي وليس عن إعجاز القرآن، علماً بأن الإعجاز وصف للقرآن نفسه، بمعنى أن النص نفسه معجز، سواء فهمنا معناه أم لم نفهم، أو أدركنا المدلول العلمي له أم لم ندركه.

وهناك قضية مهمة: قد نقول إن القرآن تحدّانا بهذه العلوم فعرفناها. فهل إذا عرفناها انتهى إعجاز القرآن، أم ماذا؟ هذه قضية خطيرة حقّاً، القرآن لم يتحدَّ بموضوع معين، لقد تحدَّى بالنظم، تحدَّى بالسور، تحدَّى بسورة، لأن السورة هي عبارة عن نظام بياني يعجز عنه الإنسان، لم يتحدَّ القرآن بعشر آيات في موضوع معيّن.

الفرقان: ولكن الإعجاز العلمي –كما يرى الدكتور زغلول النجار– يفيدنا في دخول غير المسلمين في الإسلام؟

أ. د. زرزور: أنا أعتبر أن أثر هذا الأمر ضعيف. وقد أشرت إلى هذا في المؤتمر القرآني. وأقول: إن دعوة للقرآن بمبادئه وأخلاقه وأحكامه تحقق نتائج أضعاف أضعاف ما تحققه الفكرة التي أشرتَ إليها. من الذي يدخل في الإسلام الآن؟ إنه الذي يعاني من أزمة عقائدية أو أزمة فكرية أو أخلاقية أو روحية. إذن الإعجاز لم ينته بالتحدي ولن ينتهي، الإعجاز ليس بالسبق (1400 عام أو أكثر) إنما بالتفرد، بمعنى أن أحداً لا يستطيع أن يأتي بمثله من حيث النظم ومن حيث النظام؛ نظام وحدة السورة التي فيها ترابط وبلاغة. والجاحظ يشير إلى أنه لم يجر التحدي بأقل من سورة. وعبد القاهر الجرجاني في معرض حديثه عن (عشر سور مفتريات) يقول: "إن الافتراء في المعاني وليس في النظم". فالقرآن لم يتحدَّ بالمضامين إطلاقاً بدليل (مفتريات)، وهذا من أعظم أنواع التسهيل على العرب وغيرهم أن يتحداهم القرآن بأي موضوع شاءوا. ونضرب مثالاً بالقصص القرآني؛ فالقصة القرآنية ملتزمة بواقع معين، ومع ذلك عُرضت عرضاً فنيّاً رائعاً بلغ حدّ الإعجاز. القرآن يقول لك: تحدّث بالقصة التي تريدها، ولكن بشرط أنك إذا عرضتها أن يكون لها مثل رواء النظم القرآني وبهائه وأناقة أسلوبه ... إلخ. هذا تسهيل لأن الخيال أقوى من الحقيقة ... وأنا إذا كنت فناناً أو قصاصاً وأردت مثلاً أن أكتب قصة وألتزم فيها بالوقائع سأصير مؤرخاً، وإذا أردت الخروج عن النص لم أعد مؤرخاً.

لذلك أقول: إن الإعجاز هو بياني في الأساس، لكن الآيات التي موضوعها علمي فيها مسحة بيانية إضافية، وجاء التعبير عن هذه الموضوعات على وجه لا يعجز عن خطاب الإنسان في أي عصر ولا يحمّله كذلك أكثر مما يطيق. وهذا أمر لا يستطيعه أحد من خلق الله. فأنا لا أستطيع – مثلاً – أن أنشئ جملة فيها حقيقة علمية يكتشفها الناس بعد (1000) عام، والذي نزلت عليه يفهمهما ويتعامل معها، والذين يقرؤها بعد (2000) عام يرى فيها أمراً آخر. هذا يدل على أن الإنسان ابن عصره وزمانه، لذا أنا أرجعت الإعجاز العلمي إلى التفسير البياني من هذه الزاوية؛ من زاوية التعبير عن هذه الحقائق العلمية على نحو لا يعجز عن خطاب الإنسان في عصر التنزيل ولا في العصور اللاحقة، ولا يحمّله كذلك أكثر مما يطيق. تصوّر الآن، لو نزلت في القرآن آية تتحدث عن كروية الأرض في عصر التنزيل لكُذّب النبي صلى الله عليه وسلم، هو أساساً – عليه الصلاة والسلام – لم يأت بما يخالف الناس وكذّبوه! فجاء التعبير {يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل}، {رب المشارق والمغارب}، {رب المشرقين ورب المغربين} ففهمنا هذا – كما يقول موريس بوكاي – في عصر متأخر ولا غبار علينا ولا حرج.

الفرقان: فهمت من كلامك أنه يمكن أن يكون هناك إعجاز فيما يخص القضايا العلمية الثابتة، وهذا يدعو إلى ضرورة وجود ضوابط منهجية لترشيد البحث في الإعجاز العلمي. أليس كذلك؟

أ. د. زرزور: نعم، أنا بحثت هذا الموضوع تحت اسم (شروط التفسير العلمي) وليس الإعجاز العلمي، بمعنى أنه لا يُفسَّر القرآن إلا باليقينيات العلمية. واليقينيات هي التي ارتقت من درجة الفروض إلى مقام الحقائق التي لا يتطرق إليها شك. يقول موريس بوكاي: يجب أن نرتقي بها إلى درجة الفعل القائم المشاهد أو المحسوس. وهناك نقطة مهمة وهي أن التفسير العلمي لا تفسَّر به المعجزات لأن المعجزات ثبتت على خلاف القضية العلمية، فهي استثناء من قضايا العلم؛ لأن العلم بمعنى القانون أو السنة، فالمعجزات لإيقاف السنة أو إبطال عملها أو لإيقاف الدلالة على أن الذي يأتي بها نبي أو موحى إليه، فعندما يأتي البعض – تحت عنوان الدفاع عن القرآن وبيان أن القرآن لا يتعارض مع العلم – ويفسر المعجزات بأنها قضايا علمية، فهذا عكس الموضوع تماماً. وهذا (علي فكري) فسَّر أن العصر السليماني كان يعرف الحروب الهوائية والطيران الشرعي، لأنه كان فيه سفر هوائي منظم، وأن الجنود التي تهبط بالمظلات ليس قضية جديدة، لأن يوم بدر هبطت فيه الملائكة .. هذا الكلام سخيف في الحقيقة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015