وصدقوا به، قال تعالى: ? بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ? "وهذا لأنّ الغالب على الآدميين صحة الحس"

ولا يقتصر الأمر على الغيبيات المتعلقة بالكون؛ بل إن الإنسان قد يعجز عن إدراك ما تدركه الحواس؛ كما أن الحس نفسه قد يعرض له ما يوجب غلطهومن الأمثلة على ذلك قضية تطور الجنين في بطن أمه وهى مسألة مادية حسية - زعم العلم المادي في أول أمره فيها: أن الإنسان يتكون من دم الحيض؛ ثم غير رأيه ليقول إن الإنسان يخلق كاملاً "قزماً " في الحيوان المنوي على صورته الإنسانية الكاملة، وفي القرن العشرين دحض التصوير كافة أراء العلماء وجاءت النتيجة كما قررها القرآن

? وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ?

وإذا كان الوحي الإلهي العظيم يمكنه مد المعرفة الحسية بأمور حسية من صميم اهتمامها فمن باب أولى أن يمدها بما لا يمكن إدراكه إطلاقاً بالحواس من الغيبيات.

7 - ارتباط العلم الكوني بالعقل:

سبق أنّ الحواس يمكنها إدراك عناصر الكون المادية - إلا أنها تدرك الجزئيات لا الكليات والعواقب والمآلات؛ أي: أنّ الحكم على المدركات الحسية يرجع في نهاية المطاف إلى العقل؛ خاصة وأن الأمور الحسية لا تقدم التفسيرات بنفسها؛ كما أن علاقة التشابه والتقارب والسببية بين الأشياء ليس بذات صدق داخلي؛ وإنما هي أمور ترجع إلى العقل البشرى الذي يدرك هذه الأمور

ولما كان الأمر كذلك فإنّ النظريات العلمية إنما هي أمور عقلية وليس هنالك من دليل تجريبي واحد على صحة أي نظرية علمية- كما ذكر البروفسير محجوب عبيد فيما سبق- ولأجل ذلك فإنّ النظريات العلمية إنما هي مجرد فروض وخيالات ملائمة لتفسير الظواهر الطبيعية، ولكن إذا كان الوحي العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلهي المصدر وموافقا لعالم الحس أيضاً؛ إذ أن كلا الأمرين صادر من الله تعالى ألا يجدر بنا صياغة الفرض العلمي “ Hypothesis” - على الأقل - من معطيات الوحي الكريم بدلاً من خيالات العلماء وأوهامهم التي ليس لها من دليل تجريبي واحد.

8 - ارتباط العلم الكوني بالغيبيات:

إنّ الجانب المدرك بالحس من الوجود ليس هو كل شئ؛ بل إنّ هذا الواقع المادي يرتبط ارتباطاً عميقاً بأمور غيبية ليس هنالك من طريق لمعرفتها إلا عن طريق الوحي العظيم، وقد أدرك الغربيون أخيراً أنّ الطريقة المادية التجريبية ما هي إلا طريقة واحدة فقط من بين عدد من التصورات الممكنة، وقد نظر مؤرخو العلم في بداية الأمر إلى العلم الحديث باعتبار أنه سلسلة مترابطة ومتراكمة من الانتصارات على الجهل والخرافة، ولكن التطبيق العملي جعلهم يعيدون النظر في الطريقة الحسية التي اعتمدوها دون سواها وذلك للآتي:

• إنّ العلم الآن يواجه مشكلات أخلاقية كبرى.

• هناك قوى خارجية كثيرة تضغط على العلم وتؤثر عليه دون أن يكون هنالك سبيل إلى إدراكها.

• أنّ التطور التكنولوجي الهائل الذي لا ضابط له ولا أخلاق قد نجمت عنه مخاطر جمة يعود ضررها على الإنسان نفسه.

9 - توافق الكون والوحي:

سبق أنّ الكون مخلوق لله والوحي منزل من عنده كذلك؛ولأجل ذلك فمن الطبيعي أن يكون هنالك توافق بينهما ما دام الاثنان من مصدر واحد، وقد سيطرت فكرة التوافق بين الوحي والكون على علمائنا الأقدمين فصرحوا بها كما سبق، وليس ذلك فحسب بل إنّ العلماء الذين قاموا بنقد المتن في الحديث قد اشترطوا فيه أن لا يكون مناقضاً للأمور الظاهرة في الكون وإلا ردوه، ولا شك أنّ الوحي -كما سبق- إنما جاء لإصلاح حال البشرية في الدنيا والآخرة، ولاشك أنّ ارتباط الدين بالدنيا وواقع الناس من شأنه أن يجعل الرابطة بين الوحي والكون الذي يعيش فيه الناس حياتهم الدنيا – قوية ووثيقة، وقد اشترط الفقهاء المعرفة بالواقع المعيش وسموا ذلك بـ"تحقيق المناط " وذلك لأنّ الواقع الكوني سواء كان طبيعياً أو اجتماعياً له تداعيات ومآلات ومتغيرات لو لم يعرفها الفقيه

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015