• إنّ الحقائق العلمية يجب أن تكون تجريبية يعتمد صدقها على مطابقة العالم الخارجي

• إنّ لم تكن الحقائق العلمية تجريبية فيجب أن تكون تحليلية يعتمد صدقها على العقل الأولي

ولما تم حصر الحقائق العلمية في الحقائق التجريبية والتحليلية - فقد استبعد أنصار حلقة فينا حقائق الوحي ولم يعتبروها كاذبة فحسب؛ بل اعتبروها بلا معنى “ meanigless”

وهذه النظرة الضيقة للعلم لم تمر بسلام؛بل إنها قد أثرت في هذه العلوم نفسها وأدخلتها في أزمة منهجية كبرى اشتكى منها حتى الغربيون أنفسهم.

سابعاً: حاجة العلوم المعاصرة إلى الوحي:

ذكر علماؤنا الأقدمون - كما سبق - أنّ الوحي يشتمل على كافة العلوم إما تفصيلاً أو تأصيلاً؛ أي: إما بتفاصيلها أو على الإجمال، ولا زال الوحي يؤكد أن عجائبه لا تنقضي؛ وإنّ العلماء كلما أمعنوا النظر فيه خرجوا بحقائق علمية في غاية الدقة.

ولما كان الأمر كذلك فقد فقدت المعرفة - باستبعاد الوحي - رافداً من أهم روافدها فدخلت في أزمة خانقة؛ ولم تقتصر هذه الأزمة على العلوم الاجتماعية والإنسانية التي باتت هذه الأزمة فيها واضحة ظاهرة؛ وإنما تعدتها إلى العلوم الطبيعية التي يتوهم الكثيرون أنها بمعزل عن هذه الأزمة من جهة وأن علاقتها بالدين والوحي ليست بالمباشرة كعلاقة العلوم الاجتماعية والإنسانية من جهة أخرى.

أ. حاجة العلوم الطبيعية للوحي:

يتوهم الكثيرون – كما سبق – أنّ العلوم الطبيعية كالطب والهندسة والزراعة والكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم الطبيعية لا حاجة لها بالوحي وذلك للآتي:

• الارتباط الشديد بين هذه العلوم وبين الواقع المادي، إذ أن طبيعة معطيات تلك العلوم مادية يعتمد إدراكها على التجريب والقياس الذي يمكن به دراسة الواقع المادي بصورة ممتازة. وهذا أمر لا خلاف عليه.

• تشهد هذه العلوم يوماً بعد يوم تطوراً هائلاً وتقدماً ممتازاً؛ الأمر الذي يدل دلالة واضحة على أنها لا تعاني أزمة منهجية ولا معرفية. ولكن هذه الأمور مع كونها صحيحة في النظر الجزئي - إلا أنها قاصرة قصوراً شديداً عن التصور الكلي الصحيح؛ والحق أن من يقول ذلك إنما يتوهم أن هذه العلوم حرفاً يدوية ومهناً لا تختلف عن غيرها من المهن العمالية التي لا تقتضي عند العامل تصوراً كلياً للأشياء؛ ويقول البروفسير محجوب عبيد عالم الفيزياء الشهير " هذا التصور قد يكون مقبولاً حين كان العلم في بداياته يتدرج نحو صقل طرق القياس وتطوير سبل الاستنباط والاستدلال والبرهان حين كان هذا العلم أقرب إلى حنكة الحرفة منه إلى عمق الفكر والمبدأ، ولكن التطورات المعاصرة في الفيزياء النظرية وعلم الكون والهندسة الوراثية قد تجاوزت ذلك الموقف الشكلي وقربت تطوراتها قضايا هذه العلوم من موضوعات البداية والنهاية وأطلت به على مشارف قضايا كبيرة في العقيدة والفلسفة، وهذه التطورات قد أحرجت الموقف الشكلي البسيط الذي يفصل بين الحقائق العلمية والمذاهب الفكرية وفضحت ضعفه أمام الأبواب المفتوحة نحو إشباع طموح الإنسان في الوقوف على أسرار الخليقة وطبيعة الأشياء

ولما كان الأمر على الوجه الذي ذكرناه فقد اتضح أنّ بالعلوم الطبيعية حاجة ماسة إلى الوحي ومعطياته وإن كانت حاجة العلوم الاجتماعية والإنسانية أقوى وأكبر كما سيأتي، وتتمثل حاجة العلوم الطبيعية للوحي في أمور منها:

*عندما يتحول المرء من الطبيعة المادية في هذه العلوم إلى الأطر الكلية الفلسفية يجد أنّ هذه العلوم تدخل بصورة مباشرة في أسئلة لا يمكن إيجاد حل لها إلا في وحي السماء.

*يؤكد علماء الطبيعيات أنه ليس هنالك من برهان تجريبي قط على صدق أي نظرية علمية تتعلق بالعلوم الطبيعية؛ فهذه النظريات - وانّ كانت مبنية على الملاحظات والحقائق التجريبية - إلا أنّ تشكيل النظريات يقتضي مفاهيم مترابطة ونسقاً متماسكاً؛ وهنا يدخل التصور الذهني الافتراضي الذي لا يمكن التحقق منه تجريبياً

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015