إن الصنم لم يكن ينطق أو يسمع أو يبصر. . (وقفات مع سورة إبراهيم) عليه الصلاة والسلام

ـ[شاكر]ــــــــ[08 May 2009, 07:50 م]ـ

(هذا بلاغ للناس , ولينذروا به , وليعلموا أنما هو إله واحد , وليذكر أولو الألباب). إبراهيم:52

إن الغاية الأساسية من ذلك البلاغ وهذا الإنذار ,

هي أن يعلم الناس (أنما هو إله واحد). .

فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها منهجه في الحياة.

وليس المقصود بطبيعة الحال مجرد العلم ,

إنما المقصود هو إقامة حياتهم على قاعدة هذا العلم. .

المقصود هو الدينونة لله وحده , ما دام أنه لا إله غيره.

فالإله هو الذي يستحق أن يكون ربا

- أي حاكما وسيدا ومتصرفا ومشرعا وموجها -

وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافا جوهريا

عن كل حياة تقوم على قاعدة ربوبية العباد للعباد

- أي حاكمية العباد للعباد ودينونة العباد للعباد -

وهو اختلاف يتناول الاعتقاد والتصور ,

ويتناول الشعائر والمناسك ;

كما يتناول الأخلاق والسلوك , والقيم والموازين ;

وكما يتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,

وكل جانب من جوانب الحياة الفردية والجماعية على السواء.

إن الاعتقاد بالألوهية الواحدة قاعدة لمنهج حياة متكامل ;

وليس مجرد عقيدة مستكنة في الضمائر.

وحدود العقيدة أبعد كثيرا من مجرد الاعتقاد الساكن. .

إن حدود العقيدة تتسع وتترامى حتى تتناول كل جانب من جوانب الحياة. .

وقضية الحاكمية بكل فروعها في الإسلام هي قضية عقيدة.

كما أن قضية الأخلاق بجملتها هي قضية عقيدة.

فمن العقيدة ينبثق منهج الحياة الذي يشتمل الأخلاق والقيم ;

كما يشتمل الأوضاع والشرائع سواء بسواء. .

ونحن لا ندرك مرامي هذا القرآن قبل أن ندرك حدود العقيدة في هذا الدين ,

وقبل أن ندرك مدلولات:"شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"

على هذا المستوى الواسع البعيد الآماد.

وقبل أن نفهم مدلول: العبادة لله وحده ; ونحدده بأنه الدينونة لله وحده ;

لا في لحظات الصلاة , ولكن في كل شأن من شؤون الحياة!

إن عبادة الأصنام التي دعا إبراهيم - عليه السلام - ربه أن يجنبه هو وبنيه إياها ,

لا تتمثل فقط في تلك الصورة الساذجة التي كان يزاولها العرب في جاهليتهم ,

أو التي كانت تزاولها شتى الوثنيات في صور شتى ,

مجسمة في أحجار أو أشجار , أو حيوان أو طير , أو نجم أو نار ,

أو أرواح أو أشباح. . .

إن هذه الصور الساذجة كلها لا تستغرق كل صور الشرك بالله ,

ولا تستغرق كل صور العبادة للأصنام من دون الله.

والوقوف بمدلول الشرك عند هذه الصور الساذجة

يمنعنا من رؤية صور الشرك الأخرى التي لا نهاية لها ;

ويمنعنا من الرؤية الصحيحة لحقيقة ما يعتور البشرية من صور الشرك والجاهلية الجديدة!

ولا بد من التعمق في إدراك طبيعة الشرك وعلاقة الأصنام بها ;

كما أنه لا بد من التعمق في معنى الأصنام ,

وتمثل صورها المتجددة مع الجاهليات المستحدثة!

إن الشرك بالله - المخالف لشهادة أن لا إله إلا الله -

يتمثل في كل وضع وفي كل حالة لا تكون فيها الدينونة

في كل شأن من شؤون الحياة خالصة لله وحده.

ويكفي أن يدين العبد لله في جوانب من حياته ,

بينما هو يدين في جوانب أخرى لغير الله ,

حتى تتحقق صورة الشرك وحقيقته. .

وتقديم الشعائر ليس إلا صورة واحدة من صور الدينونة الكثيرة. .

والأمثلة الحاضرة في حياة البشر اليوم تعطينا المثال الواقعي للشرك في أعماق طبيعته. .

إن العبد الذي يتوجه لله بالاعتقاد في ألوهيته وحده ;

ثم يدين لله في الوضوء والطهارة والصلاة والصوم والحج وسائر الشعائر.

بينما هو في الوقت ذاته يدين في حياته الاقتصادية و السياسية والاجتماعيةلشرائع من عند غير الله.

ويدين في قيمه وموازينه الاجتماعية لتصورات واصطلاحات من صنع غير الله.

ويدين في أخلاقه وتقاليده وعاداته وأزيائه لأرباب من البشر تفرض عليه هذه الأخلاق والتقاليد والعادات والأزياء - مخالفة لشرع الله وأمره -

إن هذا العبد يزاول الشرك في أخص حقيقته ;

ويخالف عن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله في أخص حقيقتها. .

وهذا ما يغفل عنه الناس اليوم فيزاولونه في ترخص وتميع ,

وهم لايحسبونه الشرك الذي كان يزاوله المشركون في كل زمان ومكان!

والأصنام. .

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015