النموذج الأول: قضية جمع القرآن مرتين، وأعني جمعه في مصحف واحد وهذا لم يكن إلا مرة واحدة في عهد أبي بكر الصديق أما ما قام به عثمان فلم يكن إلا نسخا للمصحف المجموع في عدة نسخ ثم نشرها في عواصم الأقاليم الإسلامية المشهورة في عهد عثمان.

تجمع الروايات أن السبب هو اختلاف القراءة بين الغزاة أثناء غزو أرمينيا وأذريبجان. وأن عثمان كان قد نمى إليه أن شيئا من ذلك الخلاف يحدث للذين يقرئون الصبية، فأكبر الصحابة هذا الأمر مخافة أن ينجم عنه التحريف والتبديل وأجمعوا أمرهم أن ينسخوا الصحف التي كانت عند أبي بكر.

يروي البخاري في صحيحه في باب فضائل القرآن الكريم عن أنس بن مالك أن عثمان أرسل إلى حفصة "أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها ثم نردها إليك، فأرسلت إليه بتلك الصحف ثم أرسل إلى زيد بن ثابت الأنصاري وإلى عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأمرهم أن ينسخوها في المصاحف حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

فعثمان عدد نسخ القرآن وأرسل إلى كل إقليم بمصحف إمام يرجع إليه عند الاختلاف لا أنه جمع القرآن مرة ثانية.

النموذج الثاني: قضية إبقاء عثمان على حرف واحد ونسخ الستة

تجد عددا كبيرا من كتب علوم القرآن قد أضاف مؤلفوها إلى رواية البخاري السابقة استنباطا من عند أنفسهم دون دليل، القول بأن عثمان أبقى على حرف واحد [7] مع العلم أن رواية البخاري لم تذكر إلا نسخ الصحف في مصاحف وأن نزول القرآن على سبعة أحرف عملية وحي والوحي لا يرفعه إلا الوحي، وما كان لعثمان أن يرفع وحيا ولاسيما والصحابة معه وما عارضوا ولا جاءنا خبر بمراجعة. وما كان لهم أن يسكتوا على فعل كهذا. ثم إن الأحرف السبعة نزلت للتيسير ودواعيه قائمة إلى قيام الساعة والقراءات القرآنية بوجوهها الثابتة المعجزة تستوعبها. إذن، فلم هذا التحمل، الذي لا تتحمله طبيعة الوحي ولا واقع التنزيل [8].

النموذج الثالث: هل فسر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كله؟ وضع السؤال بهذه الصيغة يوحي بتقصير الرسول صلى الله عليه وسلم في أداء مهمة البيان مع أنه ما أنزل عليه الذكر إلا ليبين مهمته محصورة في البلاغ المبين.

وما دام مفهوم البيان يشمل ما يبين به الشيء من الدلالة وغيرها من أدوات الكشف كالكتابة والإشارة والعلامة والحال ... وكل ما يبين به الشيء [9]، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين كل ما يحتاج إلى البيان بالنسبة لمرحلة النبوة وبين القواعد والكليات التي تستوعب ما يحتاج إلى بيان بالنسبة إلى ما بعد النبوة ...

ثم إن قصد التكليف لا يتحقق إلا بالبيان وإلا استحال الامتثال. وشرط التكليف القدرة على المكلف به على الوجه الرافع للحرج، ولا يعقل خطاب مقصود من غير فهم كما أبان ذلك الشاطبي [10].

النموذج الرابع: وهو من مقدمة جامع البيان في مسألة البيان، فمع أن القرآن نص على مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم، هي البيان، ومع أن البيان في اللغة شامل لكل ما تتم به عملية البيان، تجد عددا كبيرا من مصنفات علوم القرآن تتساءل في مبحث خاص، هل فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل ما يحتاج إلى البيان؟ معتمدة في هذا التساؤل على ما نسب إلى عائشة رضي الله عنهما "ما كان صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيات تعد علمهن إياه جبريل" [11].

قال الطبري معلقا على المبحث والحديث: "ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان لا يفسر من القرآن شيئا، إلا آيات تعد هو ما يسبق إلى أوهام أهل الغباء من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل، كان إنما أنزل إليه الذكر ليترك البيان لا ليبين [12]، هذا مع ما في الخبر عن عائشة -والقول له- من العلة التي… لا يجوز معها الاحتجاج به… لأن روايته عمن لا يعرف في أهل الآثار وهو جعفر بن محمد الزبيري [13].

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015