قال والصابرين فما هو السبب في ذلك يا دكتور مساعد؟

الدكتور مساعد الطيار: الذي أذكره مما ذكره بعض العلماء أن هذا منصوب على الاختصاص يعني كأنه قال: وأخص الصابرين فهذا يدل أن اختلاف الإعراب وهذا التحول الإعرابي فيه تنبيه على منزلة الصبر ولو تأملنا قوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} (أولئك) يعني كل من سبق ذكرهم , لكن كل ما مضى تجد أن الصبر له مدخل فيه , ثم خص الصبر في هذه لما قال: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ} و هي أشد ما يكون الصبر , يعني الذي يظهر فيه الصبر ظهورا واضحا جدا , طبعا المحافظة على الصلوات تحتاج إلى صبر , و الصيام يحتاج إلى صبر , والزكاة تحتاج إلى صبر, والحج يحتاج إلى صبر , ما من عمل من أعمال البر التي ذكرت إلا وهي تحتاج إلى الصبر.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: هذه في الحقيقة لفتة جميلة تذكرني بموضوع ولله الحمد بدأ الآن يبحث و كان موجود في كتب السلف وكتب التفسير خاصة البلاغي , يشيرون إلى ما يسمونه العدول , يعني العدول من أسلوب إلى أسلوب.

الدكتور محمد الخضيري: الالتفات.

الدكتور مساعد الطيار: الالتفات نوع من العدول.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: نعم , العدول مثلا من الجملة الإسمية إلى الجملة الفعلية , لماذا عدل عنها إلى هذه , في القرآن الكريم لابد أن يكون هناك سر , علمه من علمه , وغاب على من غاب عنه , لكن هناك سر , فالالتفات هنا أو الانتقال أو العدول من الرفع إلى النصب له سرا يجب التنبه إليه , والالتفات نوع من العدول , كالالتفات من الغيبة إلى الحضور و هكذا.

و لفت نظري شيء دائما نتناوله , في أول سورة البقرة تذكرون الحروف المقطعة , من الأقوال التي قيلت فيها: أنها للتنبيه. يعني كأنها لفت لأنظار المستمعين أن يستمعوا إلى هذا الكلام العجيب فـ (الم) بالنسبة لنا ما لها معنى فالحروف بمفردها ليس لها معنى فالألف ما معناها؟ واللام ما معناها؟ فبعض المفسرين يقولون من فوائدها أو من معانيها وحكمها لفت الانتباه , حقيقة هذا المعنى لم أجعله من المعاني المقدمة عندي , وفي يوم من الأيام وأنا في مثل هذا المجلس في النماص وكان عندنا رجل عمره 83 سنة ولا يقرأ فليس بمتعلم, فسألني رجل: عن معنى الم , حم , فذكرت له التحدي , فقال الرجل الكبير: يا ولدي , عندي -والله أعلم - إنها جاءت حتى يستمع الناس و ينتبهوا , وفي الحقيقة استوقفني هذا منه بالذات , فهو لم يقرأ كتاب الزمخشري ولا كتاب ابن عاشور ولا سمع بهما , فقال: يعني كأن الناس غافلين عن الاستماع فلما قال: الم , التفتوا وانتبهوا , ماهذا الكلام؟ فجاء ما بعدها , فرجعت إلى كتب التفسير وأنا أتأمل هذا القول فقلت في نفسي , طبعا أنا فهمت إن الرجل على سليقته وعلى طبيعته العربية , وأن هذا أسلوب مألوف عند العرب , فأحببت أن ألفت الانتباه إلى هذه الفكرة بمناسبة حديثنا عن التنبيه في الصابرين والعدول , وأن هذا مقصد من مقاصد العرب في كلامها وهي قضية التنبيه ولفت الانتباه.

الدكتور مساعد الطيار: ولهذا لاحظ بعض من يقرأ في الشعر أو القرآن أو الحديث وغيره هو لا يتقن ولا يفهم الأسرار , أحيانا يقول الكلام هذا فيه خلل, والخلل هو في الحقيقة عندي وعندك لأننا لم نرقى إلى هذا الأسلوب العربي الصرف.

الدكتور محمد الخضيري: العجيب في الآية أنها ختمت بقوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} وكأنه الآن يذكر بأن جميع هذا الأعمال التي ذكرت أنها هي صميم التقوى , وأن من جاء بها هو المتقي , وأن من خالفها فقد ترك شيئا من أعمال التقوى , وأن من ترك شيئا من أعمال التقوى نقص عنه الاهتداء , وهذه مهمة , أن الاهتداء بالقرآن لا يكمل إلا لمن اتقى ,و في أول السورة ما ذا قال؟: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} فكل ما كان الإنسان متقيا لله انتفع بالقرآن انتفاعا عظيما , لأن القرآن ينزل على قلب طاهر قلب طيب أبيض نقي , فيصير نور الوحي مع نور الفطرة التي لم تدنس بآثام أو خطايا ,فيشع منها أنوار تضيء لها ظلمات الدنيا كلها , حتى كأنه يرى الغيب من سجف رقيق.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015