ولما وفد أبو نواس على الخطيب بمصر سأله عن نسبه، فقال له أغناني أدبي عن نسبي. وللمتنبي:

لا بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبمجدي فخرت لا بجدودي

وبهم فخر كل من نطق الضاد ... وعوذ الجاني وغوث الطريد

ولبعضهم:

وإني وإن كنت ابن سيد عامر ... وفارسها المشهور في كل موكب

فما سودتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسموا بأم ولا أب

ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رماها بمنكبي

ويقال لمن يفخر بنفسه: هو عصامي، إشارة إلى قول النابغة في عصام حاجب النعمان:

نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والإحجاما

وصيرته ملكاً هماما ويقال لمن يفخر بآبائه عظامي، إشارة إلى فخره بالأموات من آبائه ورهطه قال الشاعر:

إذا ما الحي عاش لعظم ميت ... فذاك العظم حي وهو ميت

ودخل عبد الله بن زياد التيمي على أبيه، وهو يجود بنفسه، فقال: ألا أوصي بك الأمير، فقال: يا أبتي إذا لم كن للحي إلا وصية الميت، فالميت هو الحي. ويقال: إن عطاء بن سفيان قال ليزيد بن معاوية: أغنني عن غيرك، قال حسبك ما أغناك به معاوية، قال: فهو إذاً الحي، وأنت الميت. ومن قول علي رضي الله عنه: من أبطأ به علمه لم ينفعه حسب آبائه. قال الشاعر:

لئن فخرت بآباء ذوي حسب ... قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا

وكان يقال: أجهل الناس من افتخر بالعظام البالية، وتبجح بالقرون الماضية، واتكل على الأم الخالية. وكان جعفر بن يحيى يقول: ليس من الكرام من افتخر بالعظام. وقال الفضل بن الربيع: كفى بالمرء عاراً أن يفتخر بغيره، وقال: من افتخر بآبائه فقد نادى على نفسه بالعجز، وأقر على نفسه بالدناءة.

وقيل لشريف ناقص الأدب: إن شرفك بأبيك لغيرك، وشرفك لك فافرق بين مالك وما لغيرك، ولا تفرح بشرف النسب، فإنه دون شرف الأدب. قال بعضهم:

وما فخري بمجد قام غيري ... إليه وقد رقدت الليل عنه

إلى حسب الفتى في نفسه انظر ... ولا ينظر هديت إلى ابن من هو

غيره:

إذا افتخرت بآبائي وأجدادي ... فقد حكمت على نفسي لأضدادي

هل نافعي إن سعى جدي لمكرمة ... ونمت عن أختها في جانب الوادي

وقد أجاد الافتخار الفرزدق حيث يقول:

إن الذي سمك السما بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول

بيتاً زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل

حدث سلمة بن عياض مولى بني عامر بن لؤي قال: دخلت على الفرق في السجن، وهو محبوس، وقد قال قصيدته التي منها:

إن الذي رفع السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول

بيتاً بناه لنا المليك وما بنى ... ملك السماء فإنه لا ينقل

وقد أفحم، فقلت: ألا أرفدك فقال: وهل عندك ذاك؟ فقلت: نعم، ثم قلت:

بيتاً رزارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل

فاستجاد البيت، وغاظه قولي فقال لي: ممن أنت؟ فقلت: من قريش، قال: من أيها؟ قلت: من بني عامر بن لؤي، فقال: لئام والله وضيعة جاورتهم بالمدينة، فما حمدتهم، فقلت: الأم والله منهم وأوضع قومك جاءك رسول مالك بن المنذر، وأنت سيدهم وشاعرهم فأخذ بأذنك يقودك حتى حبسك، فما اعترضه أحد ولا نصرك، فقال: قاتلك الله ما أكرمك. وأخذ البيت وأدخله في القصيدة.

وحدث أبو مالك الراوية، فقال: قال: سمعت الفرزدق يقول: أبق غلامان منا يقال له النضر، فحدثني قال: خرجت في طلبها وأنا على ناقة عيساء كوماء أريد اليمامة، فلما رأت إلى ماء لبني حنيفة، يقال له الصرصران ارتفعت سحابة، فأرعدت، وأبرقت وأرخت عزاليها، فعدلت إلى بعض ديارهم، وسألت القرى فأجابوا، فأدخلت داراً لهم، وأنخت راحلتي، وجلست تحت ظلة لهم من جريد النخل، وفي الدار لهم جويرية سوداء، إذ دخلت علي جارية كأنها سبيكة فضة، و: كأن عينيها كوكبان دريان، فسألت الجارية لمن هذه العيساء؟ تعني: ناقتي، فقيل لضيفكم هذا، فعدلت إلي وسلمت علي، فرددت عليها السلام، فقالت: ممن الرجل؟ فقلت: من بني حنظلة، فقالت من أيهم؟ فقلت: من بني نهشل، فتبسمت وقالت: أنت إذن ممن عناه الفرزدق بقوله وذكرت الأبيات السابقة. قال: إن ابن: الخطفى قد هدم عليكم بيتكم تعني جريرا وذلك حيث يقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015