أأرحل من مصر وطيب نعيمها ... وأي مكان بعدها لي شائق

وأترك أوطاناً ثراها لناشق ... هو الطيب لا ما ضمنته المفارق

فكيف وقد أضحت من الحسن جنة ... زرابيها مبثوثة والنمارق

وإخوان صدق يجمع الفضل شملهم ... مجالسهم مما حووه حدائق

أسكان مصر إن قضى الله بالنوى ... فثم عهود بيننا ومواثق

فلا تذكروها للنسيم فإنه ... لأمثالها من نفحة الروض سارق

إلى كم جفوني بالدموع قريحة ... وحتام قلبي بالتفرق خافق

ففي كل يوم لي حنين مجدد ... وفي كل أرض لي حبيب مفارق

ستأتي مع الأيام أعظم فرصة ... فما لي أسعى نحوها وأسابق

ومن خلقي أني ألوف وأنه ... يطول التفاتي للذين أفارق

يحرك وجدي في الأراكة طائر ويبعث شجوي في الدجنة بارق

وأقسم ما فارقت في الأرض منزلا ... ويذكر إلا والدموع سوابق

وعندي من الآداب في البعد مؤنس ... أفارق أوطاني وليس يفارق

ولي صبوة العشاق في الشعر وحده ... وأما سواه فهي مني طالق

كلام الذي يصبو له كل سامع ... ويهواه حتى في الخدور العواتق

كلامي غني عن لحون تزينه ... له معبد من نفسه ومخارق

كل امرئ منه نصيب يخصه ... يلائم ما في طبعه ويوافق

تغني به الندمان وهو فكاهة ... ويورده الصوفي وهو رقائق

به يقتضي الحاجات من هو طالب ... ويستعطف الأحباب من هو عاشق

وإني على ما سار منه لعاتب ... أليس به للبين تحدى الأيانق

وما قلت أعاري لأبغي بها الندى ... ولكنني في حيلة الفضل رائق

أأطلب خير الله من عند غيره وأسترزق الأقوام والله رازق

ومن قوله:

لعلك تصغي ساعة وأقول ... لقد غاب واش بيننا وعذول

وفي النفس حاجات إليك كثيرة ... أرى الشرح فيها والحديث يطول

تعال فما بيني وبينك ثالث ... فيذكر كل شجوه ويقول

وإياك من نشر الحديث فإنني ... به عن جميع العالمين بخيل

بعيشك حدثني بمن قتل الهوى ... فإني إلى ذاك الحديث أميل

وما بلغ العشاق حالا بلغتها ... هناك مقام ما إليه سبيل

وما كل مخضوب البنان بثينه ... وما كل مسلوب الفؤاد جميل

ويا عاذلي قد قلت قولا سمعته ... ولكنه قول علي ثقيل

عذرتك أن الحب فيه حرارة ... وإن عزيز القوم فيه ذليل

أأحبابنا هذا الضنا قد ألفت ... فلو زال لاستوحشت حين يزول؟

وحقكم لم يبق فيه بقية ... فكيف حديثي والغرام طويل

وإني لا رعى سركم وأصونه ... عن الناس والأفكار في تجول

دعوا ذكرى ذاك العتب منا ومنكم ... إلى كم كتاب بيننا ورسول

وردوا نسيماً جاء منكم يزورني ... فإني عليل والنسيم عليل

ولي عندكم قلب أضعتم عهوده ... على أنه جار لكم ونزيل

ومن قوله:

أعاتبكم يا أهل ودي وأن بدت ... دلائل صد منكم وملال

وأعذركم ثقلت حتى مللتم ... وأسرفتم في هجري المتوالي

فهونني من كان عندي مكرماً ... وأرخصني من كان عندي غالي

سأحمل عنكم كلما فيه كلفة ... وأقنع منكم في الكرم بخيال

ليسلم ذاك الود بيني وبينكم ... فلست على شيء سواه أبالي

ويأتيكم ما عشت يا آل كامل ... سلامي عليكم دائماً وسؤالي

ومن عجب عتب على الحسن الذي ... لدي وعندي جوده المتوالي

ولكن بدا منه جفاء فساءني ... وذاك شيء لم يمر ببالي

فإن ينسى عهدي لست أنسى عهوده ... وإن يسل عني لست عنه بسال

ومن قوله:

أحن إلى عهد المحصب من منى ... وعيش به كانت ترف ظلاله

ويا حبذا أمواهه ونسيمه ... ويا حبذا حصباؤه ورماله

ويا أسفي إذا شط عني مزاره ... ويا حزني إذا غاب عني غزاله

وكم لي بين المروتين لبانة ... وبدر تمام قد هوته حجاله

مقيم بقلبي حيث كنت حديث ... وباد لعيني حيث سرت خياله

فيا صاحبي بالخيف كن لي مستعداً ... إذ آن من بين الحجيج ارتحاله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015