شعر

هو أبو عبد الله محمد بن بختيار بن عبد البغدادي المشهور، وهو أحد المتأخرين المجيدين، جمع في شعره الصناعة والرقة، وذكره صاحب الذخيرة، فقال: هو شاب ظريف، رقيق أسلوب الشعر، حلو الصناعة، رائق البراعة، عذب اللفظ، ارق من النسيم، وأحسن من الوشي، وكلما ينظمه ولو انه يسير بأفواه الرواة، وأهل الأدب يتهافتون على نظمه المطرب تهافت الطير الحوم على عذب المشرب فمن قوله:

زار من أحيا بزورته ... والدجى في لون طرته

قمر يثني معاطففه ... بانة في طي بردته

بت استجلي المدام على ... غرة الواشي وغرته

يالها من زورة قصرت ... فاماتت طول جفوته

آه من خصر له وعلى ... رشفة من برد ريقته

ومن أبياته السائرة قوله من جملة قصيدة:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها

ومن رقيق شعره قوله في الغزل من قصيدة أنيقة:

دعني أكابد لوعتي وأعاني ... أين الطليق من الأسير العاني

آليت لا أدع الملام يغرني ... من بعد ما أخذ الغرام عناني

أو لا تروض العاذلات وقد أرى ... روضات حسن في خدود حسان

والبدر يلتمس السلو ولم أزل ... حي الصبابة ميت السلوان

يا برق أن اجف العقيق فطالما ... أغنته عنك سحائب الأجفان

هيهات أن أنسى وربك وقفة ... فيها أغير بها على الغيران

ومهفهف ساجي اللحاظ حفظته ... فأضاعني وأطعته فعصاني

يصمي قلوب العاشقين بمقلة ... طرف السنان وطرفها سيان

حسن الدلال بشعره وبثغره ... يوم الوداع اضلني وهداني

ما قام معتد لا يهز قوامه ... إلا وبانت خجلة في البان

يا أهل النعمان إلى وجناتكم ... تعزى الشقائق لا إلى النعمان

ما يفعل المران في يد قلب ... في القلب فعل مرارة الهجران

وهي قصيدة جيدة من فائق الشعر، ومخالصه من الغزل إلى المديح في نهاية الحسن، وقل من يلحقه فيها، فمن ذلك قوله في قصيدة أولها:

جنيت جني الورد من ذلك الخد ... وعانقت غصن البان من ذلك القد

فلما انتهى إلى مخلصها قال:

لئن وقرت يوماً بسمعي ملامة ... لهند فلا عفت الملامة في هند

ولا وجدت عيني سبيلا إلى البكا ... ولا بت في اسر الصبابة والوجد

وبحت بما القي ورحت مقابلا ... سماحة مجد الدين بالكفر والجحد

وقوله من قصيدة أخرى:

فلا وجد سوى وجدي بليلى ... ولا مجد كمجد ابن الدوامى

وقوله من قصيدة أخرى ببغداد:

فاقسم اني في الصبابة واحد ... وان كما الدين في الجود واحد

إلى غير ذلك وكانت وفاته سنة 580 رحمه الله، تم الاختيار من شعر ابن بختيار ويليه الاختيار من شعر القاضي أبي يعلى.

شعر

أبي يعلى هو القاضي ابو يعلى حمزة بن عبد الرزاق بن أبي حصين ولم أقف له إلا على مرثيته التي رثي بها مقلد بن نضر بن منقذ الكناني، وهي من مختار المراثي، وفائق الشعر، فأثبتها بطولها وهي:

إلا كل حي مقصدات مقاتله ... وآجل ما يخسى من الدهر آجله

وهل يفرح الناجي السليم وهذه ... خيول الردى قدامه وحبائله

لعمر الفتى أن السلامة سلم ... إلى الحين والمغرور بالعيش آمله

فيسلب أثواب الحياة معارها ... ويقضي غريم الدين من هو ماطله

مضى قيصر لم تغن عنه قصوره ... وجدل كسرى ما حمته مجادله

وما صد هلكاً عن سليمان ملكه ... ولا منعت منه اباه سرابله

ولم يبق إلا من يروح ويغتدي ... إلى سفر ينأى عن الأهل قافله

وما نفس الإنسان إلا خزامة ... بأيدي المنايا والليالي مراحله

فهل غال بدءاً مخلص الدولة الردى ... وهل تنزوي عمن سواه غوائله

ولكنه حوض الحمام ففارط ... إليه وتال مسرعات رواحله

لقد دفن الأقوام أروع لم تكن ... بمدفونة طول الزمان فضائله

سقى جدثاً هالت عليه ترابه ... اكفهم طال الغمام ووابله

ففيه سحاب يرفع المحل هدبه ... وبحر ندىً يستغرق البر ساحله

كأن ابن نصر سائر في سريره ... حياء من الوسمي أقشع هاطله

يمر على الوادي فتثني رماله ... عليه وبالنادي فتبكي أرامله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015