4 - الرباط

اصطلاحا: الرباط والمرابطة: ملازمة ثغر العدو، وأصله أن يربط كل واحد من الفريقين خيله، ثم صار لزوم الثغر رباطا، وربما سميت الخيل أنفسها رباطا.

وقد يطلق الرباط على: المواظبة على الأمر: خاصة المواظبة على مواقيت الصلاة يدل على هذا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط " (1).

ويبين الرازى أصل الرباط فيقول: (2) وأصل الرباط من مرابطة الخيل: وهو ارتباطها بإزاء العدو فى بعض الثغور، والعرب تسمى الخيل إذا ربطت بالأفنية وعلقت رُبُطا واحدها ربيط، ويجمع الرُّبْطُ على: رباط، وهو جمع الجمع. قال تعالى: { ... ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (الأنفال 60).

ويقول الفراء فى قوله تعالى: { .. ومن رباط الخيل .. }. قال يريد الإناث من الخيل، وقال: الرباط: مرابطة العدو وملازمة الثغر، والرجل مرابط، والمرابطات جماعات الخيول التى رابطت (3).

والرباط فى الثغور، وعلى حدود الإسلاميين واجب، فالأمر للوجوب فى قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شىء فى سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (الأنفال 60).

والرباط فى الإسلام لحماية الدعوة والأمة، وليس للعدوان أو الاستيلاء على مقدرات الآخرين المسالمين لنا، ولذلك تلت هذه الآية تلكم الآية: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} (الأنفال 61).

ولقول الله تعالى لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، والمسلمون مذهولون مما فعله الوثنيون بقتلى المسلمين، فقد مثلوا بالجثث الصريعة أبشع تمثيل: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل 125).

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - داع إلى الله تعالى فهو منتصر بقدر ما يكسب من قلوب لا بقدر ما يربح من معارك.

ومن معالم المرابطة ما يلى (4):

أ- إن المرابطة فرض على كل قادر من الأمة، والجهاد فرض عين متى كان القتال فى بلاد الإسلام، والمسلمون يقاتلون مدافعين، ويكون فرض كفاية متى كان القتال فى غير بلاد الإسلام، والمسلمون يقاتلون مهاجمين لنشر دينهم تحقيقا للعالمية.

ب- إن المرابطة لردع من تسول له نفسه فى العدوان على المسلمين أو مهاجمة أوطانهم.

جـ- إن المرابطة لحماية الدعوة والوطن والعِرض والمقدرات، وليست للمباهاة، أو للاستيلاء على مقدراتهم أو استباحة أعراضهم، أو سفك دمائهم.

د- إن الإسلام لا يبدأ أحدا بالعدوان ولكن إذا اعتدى عليه كان أبناؤه الرجال فلا ينامون على ضيم، ولا يولون أعداءهم الأدبار.

هـ- إن الإسلام دين واقعى لا مكان فى منهجه للخيال الذى يحسن الظن بالحياة ويتصور البشر ملائكة أطهارا يترفعون على العدوان، ويأبون سفك الدماء ويتسامون عن الغدر، لكنه يعيش واقع الحياة، ويضع الأسس القويمة للتعامل معها.

وتوضيح الإسلام قيمة المرابطة، وحثه عليها، وبيان الثواب الذى ينتظر المرابطين فى سبيل الله تعالى.

أ. د/ عبد السلام عبده

1 - المعجم الوسيط 1/ 405.

2 - تبيين الحقائق، الشيخ محمد الشربينى 2/ 94، الشرح الصغير، لأحمد الدردير 2/ 332 وما بعدها، مغنى المحتاج 3/ 123 من كشاف القناع منصور بن يونس بن إدريس، 5/ 3.

3 - أخرجه البخارى فى كتاب النكاح، باب قول النبى - صلى الله عليه وسلم - " من استطاع الباءة فليتزوج"، فتح البارى بشرح صحيح البخارى 9/ 8.

4 - تبيين الحقائق 2/ 95، بداية المجتهد 2/ 2، مغنى المحتاج 3/ 125، كشاف القناع 5/ 4، المهذب للشيرازى 2/ 33.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015