والمريد في مجاهدته وعباداته لا بد أن تنشأ له عن كل مجاهدة حالة نفسية نتيجة لتلك المجاهدة. وأصل المجاهدات كلها الطاعة والإخلاص، ويتقدمها الإيمان ويصاحبها، وتنشأ عنها الأحوال، والصفات نتائج وثمرات، ثم تنشأ عنها أخرى وأخرى إلى مقام التوحيد والعرفان.

ولابد للمريد من الترقى في هذه الأطوار النفسية المسماة بلسان أهل التصوف المقامات أو المنازل والأحوال. وللصوفيين اختلاف كثير في عدد المقامات وترتيبها، كل يصف منازل سيره وحال سلوكه, ولهم اختلاف في بعض منازل السير، أهى من قسم المقامات أم من قسم الأحوال؟ كما اختلفوا في الرضا أهو مقام أم حال؟ بل إنهم ليختلفون في الفرق بين المقام والحال.

فالمقام بفتح الميم هو في الأصل موضع القيام وبضمها موضع الإقامة، وقد يكون كل منهما بمعنى الإقامة وبمعنى القيام، والمقام بالفتح والضم ما يتحقق به المزيد من الصفات المكتسبة بالرياضة والعبادة كمقام الخوف من الله الذي يحصل بترك الكبائر، فالصغائر، فالمكروهات، فالشبه، فالتوسع في الحلال إلى أن ينتهى إلى ترك كل ما يشغل عن الله. والحال معنى يرد على القلب. من غير تعمد ولا اجتلاب كالطرب والحزن والشوق والهيبة -فالأحوال مواهب، والمقامات مكاسب بمواهب, لأنها إنما تنال بالكسب مع الموهبة، والعبد بالأحوال يترقى إلى المقامات، ولا يلوح له حال من مقام أعلى من مقامه إلا وقد قرب ترقيه إليه. وليس للمريد أن يتشوف إلى مقام فوق مقامه ما لم يستوف أحكام ذلك المقام وأحواله.

ومنهم من يقول: الأحوال من نتائج المقامات، والمقامات نتائج الأعمال، فكل من كان أصلح عملا كان أعلى مقامًا، وكل من كان أعلى مقامًا كان أعظم حالا.

ويقول صاحب اللمع: "إن معنى المقام مقام العبد فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع إلى الله عزَّ وجلَّ، أما معنى الأحوال فهو ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015