ومن أنفق " معظم أوقاته وأيامه مشتغلاً بالحديث، والبحث عن سيرة النقلة والرواة؛ وقف على رسوخهم في هذا العلم، وكبير معرفتهم به، وصدق ورعهم في أقوالهم وأفعالهم، وشدة حذرهم من الطغيان والزلل، وما بذلوه من شدة العناية في تمهيد هذا الأمر، والبحث عن أحوال الرواة، والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها، وكانوا بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحداً في كلمةٍ واحدةٍ يتقولها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعلوا هم بأنفسهم ذلك، وقد نقلوا هذا الدين إلينا كما نُقل إليهم وأدوا كما أُدِّيَ إليهم، وكانوا في صدق العناية والاهتمام بهذا الشأن؛ ما يجل عن الوصف، ويقصر دونه الذكر ... " (?).

وأما عن دقة علمهم، وسعة اطلاعهم، فقد قال ابن رجب - رحمه الله -: " الحذاق من الحفاظ لكثرة ممارستهم، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا يشبه حديث فلان, ولا يشبه حديث فلان ... " (?).

قال ابن القيم - رحمه الله - نقلاً عن أبي المظفر السمعاني ت 489 هـ قوله عن تمييز الأحاديث: " ... فأما العلماء بها، فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير، فيميزون زيوفها، ويأخذون خيارها، ولئن دخل في أغمار الرواة مَن وُسِمَ بالغلط في الأحاديث، فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث وورثة العلماء، حتى إنهم عَدُّوا أغاليط مَن غلط في الإسناد والمتون, بل تراهم يَعُدُّون على كل واحد منهم كم في حديث غلط، وفي كل حرفٍ حَرَّف، وماذا صَحَّف (?)، فإذا لم تَرُج عليهم أغاليط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015