وقال الجصاص: (إن حُمِلَ –لفظ الآية – على النهي وإن كان في صورة الخبر كان عمومًا فينا، وهذا أولى، لما روي عن النبي (في أخبار متظاهرة أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم: (ولا يمس القرآن إلا طاهر) (?) فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيه احتمال له) (?) .

ثانيًا: أن دعوى عدم صحة الأحاديث، وأنها لا تصلح للاحتجاج بها والعمل بها غير مسلم، فإن تلك الأحاديث التي استدل بها الجمهور على تحريم مس المصحف على المحدث وإن كان لا يخلو إسناد كل واحد منها من مقال إلا أنها بمجموع طرقها ترقى في أقل أحوالها إلى درجة الحسن، فصلح الاحتجاج بها، ووجب العمل بها، كما قال ذلك عدد من أئمة الحديث المشهورين كما تقدم نقل كلام بعضهم.

ومن ذلك أيضًا أن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه احتجا بهذا الحديث، وصرح إسحاق بن راهويه بصحته، فقد قال إسحاق بن منصور المروزي في مسائله عنهما: (قلت –يعني لأحمد- هل يقرأ الرجل على غير وضوء؟ قال: نعم، ولكن لا يقرأ في المصحف ما لم يتوضأ، قال إسحاق – يعني ابن راهويه - كما قال، لما صح من قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يمس القرآن إلا طاهر) وكذلك فعل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام والتابعون) (?) .

وقال الإمام ابن عبد البر: (لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد، وقد روي مسندًا من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة …وما فيه فمتفق عليه إلا قليلاً) (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015