الوسائل وأمثل الطرق لتنوير العقول وتوسيع نطاق المعرفة ومن ذلك مشحذة للذهن ومثار للتفكير، ولقد كانت الأمم في العصور القديمة المنصرمة تغامر في معترك الحياة بالقوة البدنية ولكن الفكر الآن هو أمضى سلاح وأقوى مجن في التنازع على الحياء، وان النهضات الصادقة الحقة هي التي تستند على أساس متين راسخ من المبادئ الكبيرة والأفكار الخطيرة والمذاهب الحية المتوقدة، وقد آن الآن لنا أن نقذف من حالق بكل فكرة ميتة هامدة وكل مبدأ خامد هاجع حتى لا يعتاق سبيلنا ويعترض تيار تقدمنا ولقد سئمنا تلك الأفكار الفجة النيئة والآراء السقيمة البالية، وانه لما يحزننا ويحز في نفوسنا أن نعلم أننا كنا نعيش محفوفين بأفكار قديمة قد ترشفت منها الأيام قطرات الحياة وخرافات فارغة لبس فيها من متعة للخيال ولا مسلاة للذهن بينما بيرون يصدح بأناشيد الحرية فيهتز لها قلب أوروبا ويخفق، وجبتي يلقي حكمته في ويمار فيستقبلها العلم بلهف والتياع وترى بها الفوش الظماء والقلوب الصوادي وبينما العالم في بحر مزيد بتيارات الأفكار الجديدة وبركان مورا بالآمال المضطربة الحديثة، وان مما يهون علينا ذكرى تلك الحال المكمدة ان نرى الأمة الآن وقد أخذت تصوغ حياتها الفكرية على أوضاع مؤتقة جديدة وسنن طريفة حديثة تلمح من جنباتها دلائل الحياة ويطالعك من نواحيها آثار التماسك والقوة، وان روح السخط والمال والتذمر والنقمة بادية في نفوسنا متفشية في أقوالنا، وان في نفوسنا الرياح الثائرة الهوجاء والزوابع العاصفة الهزجة، ولكن ليس لهذا السخط والتذمر من كبير قيمة وعظيم شأن ما لم يكن دافعنا إلى النهوض بالأعمال الكبيرة وحافزنا إلى الاضطلاع بالأعمال الجسيمة وإلا كان دليلاً على ضعف نفوسنا وخور عزيمتنا، وان الملل ليشرف النفس ويعليها إذا أصلحت عواصفه وأمطاره ثرى النفس وهيأتها لزرع الجليل الصالح بعد اقتلاع الحقير الفاسد وابادته.

واننا بالترجمة نتجاوز الحدود التي تفصلنا عن الطوائف الأخرى من الانسانية وتمزج حياتهم الفكرية بحياتنا، وان الفرد منا يقف في الحياة في خوف بين ماض ناء سحيق ومستقبل غامض مريب ولكنه إذا عرف أنه يفكر بذهن الانسانية جمعاء وبرمق السكون بلواحظها وإذ أحس ان قلبه ينبض بآمالها وان نفسه تهتز لمخاوفها سرى عنه ذلك ألم الوحشة وسكب على قلبه شآيبب العزاء ورد عليه الامن المفقود والسكون المسلوب وصار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015