الإسلام الذي جاء به محمد الكمال لهما وحسن الختام. وآية التمام. فإن الإسلام إلى إرادة الله والاعتقاد بأنه يطلع على جميع أمرنا. كل ذلك ندين به ونؤمن بحقه جميعاً، ولكن هذه العقيدة في الإسلام ليست نظرية فقط كما هي الحال لدينا، بل عقيدة عملية منفذة وأساس بناء ذلك الدين.

فالإسلام من ناحية يحكي المسيحية ويشبه الموسوي، وهو من الناحية الأخرى يختلف عنهما ويبين، فإن دعوة الناس إلى التسليم لإرادة الله والاعتقاد بأنه مطلع إلينا في جميع أمورنا. هي نفس الدعوة التي كان ينادي بها عيسى وموسى، ومن هذه الناحية كان هذان النبيان يدينان بدين محمد.

ومن الناحية الأخرى لم يكن دين محمد اقتداء وتقليد فقط كما هي الحال في المسيحية والموسوية. بل كان كذلك وحياً يوحى. إذا صح أن في الدنيا شيئاً يسمى الوحي، ولكني أجترئ وأقول أنه إذا كانت تضحية الذات والأمانة في الغرض والاعتقاد الثابت الذي لا يزحزحه أي أمر من أمور الدنيا والإيمان بأنه على الحق، ونفاذ البصيرة إلى صميم الباطل والعمل على إزهاقه، كل أولئك من بني الظواهر المحسوسة للوحي. فإن رسالة محمد كانت وحياً.

على أن دين موسى الذي كان يعرفه محمد هو الدين الخالص بما دخل عليه من الأوهام، والتأويلات والشروح والتعاليق، وكانت المسيحية التي يريد محمد أن يردها إلى نقائها الأول وطهرها هي تعاليم عيسى الخالصة من غموض القديس بولص وتعاليمه وتعاليم غيره من الطوائف المتعددة.

وكان محمد يعتقد أن اليهود سيرتضون دعوته ويقبلون عليه. ولكن عصبية اليهود تأبت عليهم أن يتقبلوه بقبول حسن. فلم يكن هذا بمزحزحه عن مبدئه. وهو أن يدعوا المؤمنين كافة إلى الاشتراك في تلك الأنعم التي تركها جدهم الأكبر إبراهيم. ولهذا كان الإسلام هو بعينه دين موسى خالصاً من شوائبه مجرداً من مناقصه، والمسيحية خالية من تعاليم بولس.

وكانت هذه الفكرة التي اعتزمها محمد، وهي أن لا يقصر محاسن دين إبراهيم على أمته وحدها، بل يذيعها في الخافقين، وينشرها في مشارق الأرض ومغاربها، هي الوسيلة التي أعانت على أن يدخل في هذا الدين السامي، ويدين بهذه المدنية العالية ملايين من الناس،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015