عليه بنو ذي النون - وكان لهم شوكة وعصبية في شرق الأندلس - فانتزعوا الملك منه وقاموا بشأنه خير قيام، وفي أيامهم تقدمت المدينة وبلغت من السعادة المادية والأدبية درجة تغبط عليها.

(1) هذه البيانات لم يطلع عليها أحد من الباحثين والمنقبين قبل الآن، ولم يذكرها مؤرخ عربي أو غربي، وقد ظفرت بها في كتاب المغرب بأخبار المغرب لابن سعيد الأندلسي الشهير وكتابه بخط يده محفوظة بقاياه القليلة بدار الكتب السلطانية، وفي خزانتي الزكية نسخة مأخوذة عنها.

وكان واسطة ملوك هذا البيت هو المأمون بن ذي النون فإنه تغلب على كثير من ملوك الطوائف وأضاف من أملاكهم إلى ملكه وصنع بطليطلة من العجائب ما تكفل به التاريخ وبسطناه في موضع آخر من محاضراتنا على حضارة الإسلام في الأندلس.

وفي أيام المأمون هذا كان معاصره فردينند الأول قد تمكن من التملك على ثلاثة من ممالك الإسبانيين وهي قشتالة وجليقية وليون، فاستفحل أمره وقويت شوكته وحينئذ توجهت أنظاره إلى غزو ملوك الطوائف وتوسيع مملكته على حسابهم فتقدم بجيوشه نحو قلعة هنارس الكائنة بالقرب من مدينة وادي الحجارة فاستغاث أهلها بالمأمون بن ذي النون لأنه أقوى ملوك الطوائف، غير أنه كان في خصام مستمر مع مناظره المعتمد بن عباد فلم يشأ أن يزيد فوق أكتافه عدواً جديداً بل رأى من السياسة أن يستميله ليتمكن من إذلال ابن عباد والقضاء على دولته، لذلك لم يعبأ المأمون بتقدم فردينند الأول وفتوحه في بلاد الأندلسيين من جيرانه بل ذهب بنفسه إلى معسكره وسأله الصلح وأرضاه بكل ما طلب، ثم تقدم إليه في أن يشن الغارة على ابن عباد ليقتلع دولته من إشبيلية، فلما رأى ابن عباد هذا الخطر الداهم، مع علمه بعجزه عن مقاومة هذه الجيوش، بادر هو أيضاً إلى الدخول في صلح فردينند وفرض على نفسه إتاوة سنوية يؤديها إليه وقدم له هدايا جليلة، فأنعم عليه فردينند بما طلب.

ولقد بلغ من انقسام ملوك الطوائف بعضهم على بعض أن المأمون وضع جيوشه تحت تصرف فردينند هذا فذهب بها وبجنوده يشن الغارات عليهم حتى بلغ أبواب بلنسية، فاستفحل أمره وأمر دولته إلى أن كان سبباً في سقوط طليطلة نفسها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015