صفحة من تاريخ الأندلس

الشهامة الإسلامية والفتوة العربية

كتبها خصيصاً لمجلة البيان العالم البحاثة المحقق حضرة صاحب السعادة

أحمد زكي باشا سكرتير مجلس الوزراء

لما انقسمت كلمة المسلمين بالأندلس آذنهم الله بزوال ملكهم وذهاب ريحهم فتقمم الولاة والقضاة والعمال والثوار بقايا ذلك الملك الطويل العريض وادعى كل منهم المملكة لنفسه في البقعة الصغيرة التي احتازها.

بل نرى بعضهم قد ألف أول جمهورية إسلامية (كما حدث في قرطبة مع بني جهور) والبعض الآخر ألف حكومة ثنائية على الشكل الذي كان معروفاً عند الرومان باسم (كما حدث في بلنسية ما بين مبارك ومظفر العامريين) وكان من العجائب اشتراكهما في الملك ولا تنافس بينهما حتى أنهما لم يمتازا إلا في الحرم خاصة وقد ذكر ابن دراج القسطلي شاعر الأندلس هذين الرجلين في قصيدة له بقوله:

وأظفرت آمالي بقصد مظفر ... وبورك لي في حسن رأي مبارك

ولكن اشتد أمرهما وحرصهما في الجباية وأضرا بالناس فاستغاثوا إلى الله فهلك مبارك متردّياً عن فرسه، وضعف مظفر بعده فأخرجه أهل بلنسية فانتزا بشاطبه.

أولئك هم ملوك الطوائف، كان كل واحد منهم يطمح في أن يتغلب على جميع أقرانه ويجمع الملك كله في يده ليجعل نفسه خليفة الله في أرضه وليورث الخلافة بنيه من بعده، فكانوا مع ضعفهم وضآلة ملكهم في خصام وعراك لا يكاد أن ينقطعان، هذا إلى انغماسهم في حمأة الترف وهويهم إلى الحضيض الأوهد من الشهوات.

نعم وقد كان ملوك الإسبانيين في جهات الشمال كذلك منقسمين بعضهم على بعض ولكنهم استفادوا من تشاحن العرب وتطاحنهم، فكانوا يجمعون كلمتهم عند الحاجة لإضعاف العرب ثم يعودون على خصوماتهم ومنازعاتهم إلى أن تتجدد الحاجة فيجتمعوا لسحق العرب وإذلالهم، وبهذه الوسيلة تمكنوا من استخلاص طليطلة التي هي مفتاح الأندلس الإسلامية.

ذلك أنه عند انقراض الخلافة الأموية من قرطبة، كان القاضي في مدينة طليطلة رجلاً اسمه ابن يعيش فاستبد بالأمر فيها ونادى بنفسه ملكاً عليها ولكنه لم يلبث إلا قليلاً حتى قام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015