ترتفع درجاته بتأثير الحرارة الخارجية، ولا تسمو العظمة ولا تزداد إلا أن يكون هناك ارتباط بين العظيم، بل ينبغي أن يجمع إليه حبهم، فإن الاحترام نوع جاف من الحب فإذا ظفر العظيم من الناس بالاحترام والحب، واستقر منهم في أسماعهم وأبصارهم وذاكرتهم وأفئدتهم، فسيطفر ذكره من جيل إلى جيل، ويثب من عصر إلى عصر، ويوصي به القرن الذي يمضي أخاه القرن الذي يقبل، وسيجري اسمه بين العصور المتعاقبة المترادفة حتى ينتهي إلى الأبدية، وهو أقوى ما يكون ساقاً، وأشد ما يكون عصباً، وأطول ما يكون نفساً، وكذلك يكون الخلود.

وقد ظفر بجملة ذلك الأمير الجليل محمد علي باشا شقيق الجناب العالي التكريم، فقد رأى من نبوغه ونشبه مادتين عظيمتين، وألقى من علمه وماله قوتين كبيرتين. فوقفها جميعاً على رقي الأمة وتقدمها، ورأى الأمة مفتقرة في كل فروع الحياة وأصولها، فأعانها في كلها، وأخذ بيدها في جميعها.

رأى رأي الشاعر تومبسون أن استخدام الجهد في شريف الأعمال ومجيد الأفعال، وحميد الآثار، والنهوض بأهل بلده من مهاوي الجهل إلى مراقي العلم، هو عنصر الحياة، فكان منه الخطيب والكاتب والأديب والبحاثة والمفكر والرحالة، فهو يعيش عيش أهل النبوغ وجبابرة العقول في الأجيال الماضية والأجيال المستقبلة، ينعم من الأولي بالبحث والتنقيب، ومن الأخرى بالعمل للمستقبل وتخليد المآثر والمكرمات. ووجد أن العمل على ترقية الأمة الغريرة، وتزكية الشعب الصغير، يتطلب السفر والتجواب في البلاد العظيمة، والممالك المتحضرة الراقية، ليعلم سر تقدمها وأسباب تأخرنا، فزار بلاد الغرب ثم بلاد اليابان، وجعل يبحث في شؤونها تارة بنظرة الفيلسوف، وطوراً بنظرة البحاثة، وطوراً آخر بنظرة الاجتماعي وحيناً بنظرة الأنثربولوجي ثم عاج بعد ذلك على الولايات المتحدة، ليرى مبلغ مدينة العالم الجديد ويشهد عظمة الأميركان، ويصور لنا أخلاقهم وعاداتهم، وعجائب مدينتهم، وغرائب أمورهم، ويعلم الفروق الاجتماعية والسيكولوجية، التي ترجع إليها عظمتهم وانحطاطنا.

وقد كان لنا الشرف الجزل أن زرناه في الشهر الماضي بقصره في الروضة شاكرين له إهداءه إلينا رحلته الجليلة، فوجدنا من لدنه أخلاقاً ديمقراطية عذبة، وشمائل عالية، يمتزج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015