أن نقد الآمدي لشعر الطائيين ليس نقدًا للروح الشعرية، بما فيها من جوانب شتَّى، ومن مظاهر متنوعة، وآراء ذهب إليها الشاعر وشخصية فرضت نفسها على نتاجه، وحياة تلون هذا الإنتاج بلونها. وعقلية نبع ذلك الشعر من ينابيعها، واتجاهات جديدة اتجه إليها فنه، ونغمات جديدة أضافها إلى التراث الشعري، وإنما هو نقد للفكرة المجردة ولأسلوبها الشعري الذي ظهرت فيه. إذا كانت الفكرة والأسلوب بعيدين عن النهج العربي. فهو تحكيم للنهج العربي في أسلوب الشاعرين وألفاظهما ومعانيهما، فيردُّ منهما ما يردُّه الطبع العربي، ويقبل ما يقبله، من عناية باستقصاء سرقاتهما الشعرية الكثيرة. فهو نقد عقلي ولغوي أكثر منه نقدًا أدبيًّا شعريًّا، على أن الآمدي لا يكتفي في النقد بالناحية السلبية فقط، بل كثيرًا ما يتَّجه اتجاهًا ايجابيًّا جميلًا، فيأتي بالأبيات التي وقع فيها الخطأ مصحِّحَة أبدع تصحيح، ويلاحظ أن الآمدي حكم في الموازنة "عمود الشعر العربي تحكيمًا شديدًا".

وعمود الشعر هو كل التقاليد الفنية التي كان يتبعها الشاعر الجاهلي في ألفاظ القصيدة ومعانيها وأخيلتها وموسيقاها.

إن ثقافة الآمدي الأدبية العربية كانت تجعله يكثر في الموازنة من الاحتكام إلى التقاليد الأدبية للشاعر الجاهلي، وقد رأى الآمدي احتكام قدامة إلى عقله وإلى موازين أخرى، وثورة النقاد عليه فيما اصطنع من من موازين، لذلك رأى أنه من الأسلم الاحتكام إلى الذوق العربي الشعري القديم وحده.

فإذا رأى قدامة مثلًا خطأ في الاستعارة عند أبي تمام بأن يأتي بها أبو تمام استعارة بعيدة، أو استعارة نابية عن ذوق العربي في الاستعمال كماء الملام، فإن الآمدي لا ينقد الشاعر في ذ لك على أساس خارج عن الثقافة العربية الأدبية، ولكن يعود إلى طريق الشاعر الجاهلي القديم، فيجعلها الحكم في هذه المسألة.

على ذلك نلاحظ أن الموازنة ألفت في فترات منقطعة، يدلنا على ذلك عدم تساوق كل جزء من أجزائها في التأليف مع الذي يليه، وأن روح الآمدي مختلفة في ثناياه، فهو يذكر في آخر كل فصل من كتابه أنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015